الكون يخبر بوحدانية الله
هذه الآيات كلها توجيه للعقول إلى الله تعالى خالق الكون والقوام عليه ، وهي استفهامات يتعين الجواب فيها وليس لديهم سبيل لإنكار الجواب ، بل الجواب متعين ، لا مناص منه ، ولا سبيل لغيره ، لأن العرب كانوا يعلمون أن الله خالق السموات والأرض{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله . . . ( 25 )}[ لقمان] ، فهم ما كانوا يجهلون الله تعالى ، بل كانوا يعلمون أنه خالق السموات والأرض ، وأنه الذي يلجأ إليه في الشدائد ، ويعلمون أنه واحد في ذاته وصفاته ، ولكنهم في العبادة يشركون به غيره ، وكأنهم يحسبون أنهم لا يصلون إلى مقام الذات العلية ، فيتخذون بأوهامهم الأوثان ذرائع ، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .
قال الله تعالى مخاطبا نبيه آمرا له:{ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 84 )} الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يواجههم بالحقائق وما يترتب على العلم بها ، ولمن الأرض ؟ أي من يملك الأرض ومن عليها من العقلاء ملكية كاملة بالخلق والإنشاء والتكوين ؟ أمره أن يسألهم عن ذات الأرض ، وعن العقلاء فيها ، ولكن لم يسأل عن غير العقلاء من الدواب ، وما في باطنها من معادن وفلزات ، وما في بحارها من جواهر كريمة ، ونقول:إن كلمة الأرض شملت بعمومها كل ما على ظاهرها من نبات وحيوان وجماد ، وما في جوفها من فلزات سائلة وغير سائلة ومعادن أكثرها في باطنها . ولأن الملكية وإن وقعت على العقلاء باعترافهم فهي على غيرهم تثبت بالأولى ، لأن غير العقلاء أشياء تشتري وتباع ، فهي أولى بالملكية ، ويعلق النبيبأمر اللهالإجابة على علمهم ، والتعليق يومئ إلى علمهم وأنه حقيقة ، ولكن ذكر ب "إن"التي تفيد الشك في وقوع الشرط ، للإشارة إلى علمهم كلا علم ، لأنهم يعملون بنقيضه .