قال تعالى:{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ( 10 )} .
{ لولا} حرف يقول النحويون إنه حرف امتناع لوجود ، أي امتنع وقوع الجزاء لوجود الشرط والجزاء ؛ لبيان أنه كبير عظيم لا يكتنه كنهه ، ولا تتصورون وأنتم تفعلون هذه الأفعال نتائجها ، ولو كان القرآن يساير أهواءكم لكان الويل والثبور ، وعظائم الأمور ، فكنتم تتقاتلون على الأعراض ، ولقطعتم الأرحام ، ولضاعت مصالح الإنسان ولشاعت الفاحشة في الدين ، فجواب الشرط محذوف لسعة عمومه ، وكثرة آثامه إذا لم يتداركهم بفضله في أحكامه الرادعة ، وأحكامه التي تجمع ولا تفرق ، وفضل الله تعالى ظاهر في أحكامه في الزنى وفي القذف ، وفي جمع شمل الأسرة في اللعان .
وقد فتح سبحانه وتعالى باب التوبة في قوله تعالى:{ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} أي لولا فضل الله سبحانه وتعالى فيما شرع وقرر أنه يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن سيئاتهم ولحكمته فيها قرر وقدر وشرعلكان الهول العظيم ، وضياع الأمور .
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه تواب ، أي كثير التوبة للمذنبين من عباده رحمة بهم ، وتهذيبا لنفوسهم ، وذلك لأن المذنب إذا أذنب وأحس بذنبه ، ذهب عنه غروره وتضرع إلى ربه ، والإحساس بالمعصية وطلب العفو عنها يقربه من الله تعالى ويدنيه منه ؛ ولذا قال بعض حكماء الصوفية:معصية مذلة خير من طاعة مدلة ، ومعصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت دلا وافتخارا ، والله عفو غفور .