وقد بين سبحانه عظم الإثم وضرره في الجماعة المسلمة ، فقال عز من قائل:
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 14 )} .
{ ولولا} كما يقول علماء اللغة هنا حرف امتناع لوجود ، أي امتنع جوابها وهو أنه يمسهم عذاب عظيم لوجود فضل الله تعالى ورحمته ، فأما فضله ، فهو ما أنعم به عليهم من نعمة الإيمان التي تجعل نفوسهم متأدبة بآدابه آخذة بأهدابه ، وأنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فعادوا إلى الحق نادمين تائبين مطهرين أنفسهم وألسنتهم وقلوبهم ، وألا يخوضوا من بعد ذاك في حديث ، هذا فضل الله تعالى الذي كانوا فيه بنعمة الإيمان ، وما كان إنما هو أمر عارض قد زال بهداية الله تعالى ، وأما رحمته فهي أنه سبحانه وتعالى لم يأخذهم بأمر عارض ، بل غفر لهم ، وأي رحمة أعظم من غفران لعمل كان منهم بجهالة ، ثم تابوا من قريب ، كما قال تعالى:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ . . . ( 17 )} [ النساء] .
وجواب الشرط{ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} و"مس"معناها أصاب جلودكم كما يمس الحديد المحمى الجسم الحي فيؤلمه . وفي كلمة{ أَفَضْتُمْ فِيهِ} "أفاض"أصلها من فاض الإناء حتى سال ، ومعنى{ أفضتم} فيه مجاز بالاستعارة ، إذ شبه حديثهم الذي خاضوا فيه غير محترسين ولا مفكرين ، بالماء الذي يسيل ، فلا يضبط ، وكأن الحديث يسيل سيلا زائدا عن حده ، وبغير غاية .
وقوله تعالى:{ عذاب عظيم} التنكير فيه للتعظيم ، أي عذاب لا تدركونه اليوم ، وسترونه