ثم صور حالهم في عدم تفكيرهم فقال سبحانه:
{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ( 15 )} .
{ إذ} ظرف متعلق بقوله تعالى:{ لمسكم} ، لمسكم العذاب العظيم في القول{ إذ تلقونه} تتلقون هذا الإفك من الألسنة ، وترددونه من غير علم ولا تثبت ، واقتران المس بزمنه ، ينبئ عن أن هذا الذي كان في الظرف ، أو كان الظرف وعاء له ، عن أنه هو السبب لولا فضل الله ورحمته . ومعنى{ تلقونه بألسنتكم} ، أي وسائل التلقي والعلم لم تكن معاينة ولكن هي الألسنة ، وتقولونه مرددين ما سمعتم بأفواهكم ، ولم تؤمن به قلوبكم ، ولم تعاينوه وتروه ، بل انتقلت الكلمات من الألسنة ورددتها الأفواه من غير علم أو تثبت ، فالألسنة قالته من غير علم ، ورددته الأفواه من غير علم ، واتخذوه سمرا ، يرطبون فيه المجالس بالإثم من غير علم ، ظنا منهم أنه هين لا أثر له ، ولا إثم فيه ، وأن التفكه بهذا القول هو أمر هين ،{ وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وذكر اسم الله تعالى توهينا لزعمهم ، وبيان عظم الإثم ، وفيه توبيخ شديد لهم ، فليس ما ارتكبوه هنة صغيرة بل هو جريمة كبيرة تفتك ببناء الجماعة الإسلامية التي من شأنها أن تقوم على تقوى من الله تعالى ورضوان ، فترديد الاتهام يسهل الإجرام ، وليس ذلك شأن الجماعات الفاضلة ، وهنا إشارتنا بيانيتان:
أولاهما:التعبير{ بألسنتكم} الخطاب للجميع مع أنه لم يردد هذا إلا عدد قد أقيم عليهم حد القذف ، وحدوا ، ولكن خوطب الجميع للإشارة إلى أن واجب الفضلاء إذا سمعوا لغو القول الجارح أن يوقفوا قائليه ويمنعوهم ، فإذا سمعوا ولم يتكلموا ولم يشاركوا فكأنهم جميعا تكلموا .
الثانية:إن قوله تعالى:{ وتقولون بأفواهكم} تفيد أنهم يتكلمون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كقوله تعالى:{. . . يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم . . . ( 11 )} [ الفتح] بل هي ألسنة تردد قولا لا علم لهم به ، ومآله على جماعتهم وخيم .