وقد بين سبحانه وتعالى ما ينبغي للمؤمن عند تلقيه خبر السوء ، فقال:{ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ( 16 )} .
الواو واصلة الجملتين ، وهو امتداد للتوبيخ للذين خاضوا في هذا الإثم ، و( لولا ) للتحضيض لاتباع ما ينبغي عند سماع قول السوء في أخيه المؤمن ، وخصوصا إذا كان من العليين المكرمين عند الله والناس أجمعين:{ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} وهذا حض على أن يقولوا هذا القول مؤمنين به{ ما يكون لنا} ، أي ليس لنا ، وليس بكائن سائغ لنا{ أن نتكلم بهذا} ، وهذا شأن الإنسان المؤمن الكامل ، لا يسمح لنفسه أن يخوض في حديث لا يعلمه ، وخصوصا إذا كان يتكلم في الأعراض ، عرض أي امرئ كان ، فكيف إذا كان ذلك في عرض الصديقة بنت الصديق ، وزوج خير الخلق أجمعين ، ولها مكانة من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الآية نفي للكينونة{ ما يكون} ، وهي أبلغ لمثل هذا القول ، وأبلغ من النفي المؤكد ، وأنه غير سائغ في ذاته لأمرين:
أولهما:تقديس الله تعالى ، لتأكيد النفي عن زوج نبيه ، ومن لها مكان الاختصاص بمحبة فوق محبة غيرها من أزواجه ، وهذا في معنى التعجب من أن يكون هذا الفعل وهذا القول مرددا بين المؤمنين ، ولم يوقفوه حتى تفاقم الأمر ، وآذى النبي ، إذ وصل إلى سمعه الكريم ، وأن التنزيه لله سبحانه في هذا المقام إشعار بأنه وحده المنزه ، ويقال ذلك في كل موضع يتفاقم فيه الإثم .
{ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} الإشارة إلى الإفك ، والبهتان:الكذب الذي تدهش له العقول وتتحير لفظاعته وغرابته ، وبعده عن كل معقول ، وهذا هو الكذب على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا ما ينبغي للمؤمن إذا نقل له خبر السوء الذي لا يعقل ولا يقبل ، فيجب عليه أمران . أولهما:ألا يردده لأنه لا يليق بالكامل أن يجعله موضع أحاديثه ، لأنه منكر لا يردد ، وفحش لا ينطق . الثاني:ان يسارع إلى التكذيب إذا كانت عنده أدلة التكذيب من مقام المفتري عليه بين قومه ، ومقام من ينتسب إليه ، وبذلك يقف الكذب ، ولا يسير في وسط الجماعات ، والله بعباده رءوف رحيم .