بعد هذا بينسبحانهطريق التثبت لأهل الدين والتقوى فقال تعالى:
{ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( 13 )} .
{ لولا} للحض كالسابقة ، والحض حض على التثبيت في القول ، ولا يقبله المؤمن والمؤمنة ، إلا أن يكون مثل الشمس وضوحا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لشاهد جاء يشهد:"على مثلها فاشهد"وأشار إلى الشمس في رائعة النهار .
وإن التثبيت يكون بأربعة شهداء ، فالحض على التثبت ، وليس على جمع الشهود ليشهدوا ، فإن ذلك لا يخلو من إشاعة للفاحشة ، وقد دل الحض على أمرين:
أولهما:أنه لا يصح التكلم إلا إذا جاءوا بأربعة شهداء يشهدون ، فإنه في هذا الحال يحل التكلم ، لأنه سيقام الحد ويشهد عليه طائفة من المؤمنين .
الأمر الثاني:أنه لا يصح المبادرة إلى الكلام ، بل يكف ، ويلزم الصمت ، إذا لم يكن هؤلاء الأربعة من الشهداء ، وإلا حق عليه الحد للافتراء ، أو كما يعبر الفقهاء حد الفرية ، وهو حد القذف ، ولذا قال تعالى:
{ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} الفاء الأولى فاء الإفصاح أو عاطفة ، والفاء الثانية هي الواقعة في جواب الشرط ، والإشارة إلى الذين يرمون من غير بينة ، وهذه الإشارة تفيد أن هذه الحال سبب للحكم عليهم بالكذب الملازم الثابت فيهم الذي يمنع أن يقبل منهم قول بعد ذلك ، وهم الذين يحدون حد القذف كما بينا ، ولا تقبل لهم شهادة أبدا ، لأن وصف الكذب ملازم لهم ، ولا تقبل شهادة كاذب ، ويعاقب عقوبة المفترين المبعدين ، والتبعية ، والأدبية ، وهي الحكم عليه بالفسق .
والتعدية ب "على "في قوله تعالى:{ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} معناها إثبات الإفك إذ الضمير يعود عليه ، وإثبات الإفك المراد موضوعه ، وهو رمي المحصنة الكريمة بنت الكريم وزوج الكريم ، وفي ذلك إشارة إلى أنه غير ممكن ، ف "لولا"تدل مع التحضيض على الاستبعاد ، بل الاستحالة لمقام موضوع الافتراء .