ولقد بين الله تعالى ما يجب على أهل الإيمان عند شيوع قالة السوء ، فقال عز من قائل:
{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ( 12 )} .
{ لولا} للتحضيض على ظن الخير من المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم خيرا ، فإذا تلقى المؤمن والمؤمنة خبرا احتمل الصدق والكذب ، وفيه شر يسارع إلى رده ، ويقول:هذا إفك مبين . أي بين واضح ، وخصوصا إذا كان ذلك الخبر ، يمس من عرف بالطهر والعفاف ، ومن يكون من شأنهم الطهر والعفاف والأمانة والإخلاص ، وذلك أن الناس في تلقي أخبار السوء قسمان:
أحدهما:يظن في المؤمن الخير ، ويحمل كل أحواله على الصلاح ، فلا يقبل الإفك عليه ، ويكذبه ، ويقول:هذا إفك مبين واضح ، ويرى من الصلاح في حال المؤمنين دليلا على الكذب ، ودافعا إلى التكذيب .
والقسم الثاني:وهو الخاضع للشيطان يحسبه نهزة فينتهزها لإشاعة السوء ، والسمر به في المجالس ، ويجعله ملهاته ويغتاب أخاه المؤمن ، ويأكل لحمه ، ويعبث بكرامته مستهينا متندرا عابثا ، وهذا يكبر أخبار السوء فيشيعها وقد نماها الخيال الفاسد ، والعبث العابث .
وفي الآية الكريمة إشارتان بيانيتان .
أولاهما:في قوله تعالى:{ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ} فالتعبير{ بأنفسهم} يشير إلى الأخوة الإسلامية الرابطة التي تجعل إشاعة السوء عن بعضهم إشاعة عن جميعهم ، وتوهين للرابطة التي تربطهم ، وإشاعة السوء تنبعث من تفكك في بعض الجماعة وتنتهي إلى تفككها كلها ، وتذهب بالذمار الخلقي فيها .
الثانية:ذكر{ المؤمنات} هنا مع أن كل حكم أو أمر يعم المؤمنين والمؤمنات من غير نص على المؤمنات ، ولكن نص على المؤمنات هنا ، لأن النساء كثيرا ما يقعن في هذا النوع من الغيبة من غير احتراس ولا تحفظ ، ألم تر إلى أن حمنة بنت جحش وقعت في إشاعة هذا الإفك تحسب أن في ذلك ما يرضي أختها أم المؤمنين زينب ، وهذه كانت برة تقية ، كانت تنفي عن عائشة ولا تقر كلام أختها ، بل ترده ، وبالتعبير بالوصف في المؤمنين والمؤمنات يشيرسبحانهإلى أن الإيمان يقتضي ذلك ، والله على كل شيء شهيد .