{لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} فإن المجتمع الإسلامي يمثل كياناً واحداً ينطلق من قواعد إيمانيةٍ أخلاقيةٍ ثابتةٍ في كل قضايا العلاقات وحركة السلوك ،ولذلك فإن طبيعة الإيمان في شخصية المؤمن تفرض الالتزام العفوي بنتائج الإيمان الشرعية عملياً ،ما يجعل النظرة إلى الآخرين إذا ما شك في تصرفاتهم ،بسبب اشتباه أمرهم عليه ،أو بسبب ما ينسبه الناس إليهم ،هي نفسها النظرة إلى نفسه ،وهو أمر يستدعي استبعاد صدور القبيح منهم بشكل طبيعيّ ،واعتبار الجانب الخفيّ في سلوكهم مختزناً لبعض المعطيات التي قد تفسره إيجاباً ..
وهذا ما يفرض على المؤمنين والمؤمنات ،أن لا يصدّقوا الإشاعات المنسوبة إلى بعضهم لمجرّد سماعهم ذلك ،بل لا بد لهم من أن يحملوها على الخير حتى يثبت لهم الشرّ ،لأن مجرد الإشاعة التي لا ترتكز على حجة ثابتةٍ ،لا تصلح أساساً للحكم ،أو للاتهام القويّ ،ولولا ذلك لكان المجتمع المؤمن خاضعاً للاهتزاز أمام الأجهزة الكافرة أو الضالة أو المنافقة ،التي تعمل على إفقاد أفراده الثقة ببعضهم البعض ،وتحطيم كرامتهم ،والإخلال بتوازنه المعنوي ،وإثارة المشاكل والخلافات في داخله ..ولذلك أراد الله سبحانه للمؤمنين أن يواجهوا المسألة بقوّة حاسمة ،ليعطلوا هذه الخطة الخبيثة ،وليسدّوا الطريق على مثيري الفتن من خلال إثارة الإشاعات في داخل مجتمعهم ،فطلب منهم أن يظنوا بإخوانهم الذين هم بمنزلة أنفسهم خيراً ،وأن يطلقوا الكلمة الحاسمة في وجوه المنافقين ،في ما أرادهم الله أن يقولوه .
{وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ} فإن الخبر الذي لم ينطلق قائله من حجّة ،أو لم يقدّم عليه بيّنة ،محكوم عليه شرعاً بالكذب ،بمعنى أن على المؤمنين أن لا يرتبوا عليه آثار الصدق ،بل أن يرتبوا عليه آثار الكذب ونفي كل مضمونه مع لوازمه ،بقطع النظر عن العمق الواقعي للخبر ،لأن القاعدة الشرعية تفرض الحكم على الصدق والكذب ،على أساس وسائل الإثبات الشرعية من الناحية السلبية أو الإيجابية .وهذا ما أشارت إليه الآية التالية:{لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شهداء}