{لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شهداء} فالحكم بكذب هؤلاء ينطلق من عدم تقديمهم الحجة الشرعية التي تثبت ما تحدثوا عنه من زنى ،فلو كانوا صادقين لأقاموا الشهادة ،{فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بالشهداء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكاذبون} ،لأن الدعوى التي لا ترتكز على قاعدة ثابتة ،لا قيمة عملية لها في حسابات الصدق ،لا سيّما إذا طالت كرامات المؤمنين وأعراضهم ،ما يجعل المخبر إنساناً ظالماً في كلماته ،التي لا تمثل إلا الشرّ المتحرك في شخصيته ،لأنه يعلم أن كلماته لا تثبت مضمونها ،فلا يبقى منها إلا تشويه الصورة ،وإثارة البلبلة في صفوف المؤمنين .
وقد تكون هذه الآية من بين المصادر الشرعية التي تشير إلى قاعدة الحمل على الصحة في فعل المسلم عند احتمال صدور الفعل منه على الوجه القبيح ،سواء دار الأمر بين صدور الفعل القبيح منه ،أو عدم صدور شيء منه أصلاً ،أو دار أمر الفعل الصادر منه بين العنوان القبيح والعنوان الحسن ،فإن الأصل في فعله أن يحمل على الخير ،لا بمعنى تأكيد صدور الخير منه وإثبات ذلك في فعله على سبيل الحكم ،بل بمعنى أن لا يحمل فعله على الشرّ ،فلا يحكم عليه بالظن الناشئ من النظرة السريعة ،أو الإشاعة الطائرة ..كما هي القاعدة المعروفة التي تقول إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ،بمعنى التعامل معه على أساس البراءة ..وهكذا يريد الإسلام أن يغلّب جانب الخير في شخصية المؤمن ،من خلال ما يوحيه إيمانه من ذلك ،فإن طبيعة التزامه بالإسلام عقلاً وروحاً تقتضي اعتبار الخير هو الأصل في حياته حتى يثبت العكس .