ثم ذكر بعد ذلك آية أخرى فقال:
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ( 44 )} .
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى قدرته وإنعامه على خلقه بالماء ، بين نعمته في الليل والنهار ، فقال:{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} والتقلب معناه أن يجعل أحدهما في موضع قلب الآخر ، وتقليب الليل والنهار يبدو في أمرين:
أولهما:في أن يكون الليل والنهار خلفة ، فيكون أحدهما خلفة للآخر ، فيسلخ الليل من النهار ، والنهار من الليل في نظام مستمر .
ثانيهما:أن يكون النهار أطول صيفا ، وأن يكون الليل أطول شتاء ، في نظام مستمر لا يتخلف ، قد يفسر العلم ظواهره ، ولكن لا يستطيع تغييره ولا إنشاءه ، فالعلم يحصي الوقائع ، ولا يوجدها ، ذلك تقدير العزيز العليم ، ولذا قال تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} العبرة في مدلولها الخاص بمعنى الاعتبار ، والمؤدي لها أن تأخذ من الحاضر المشاهد دلالة على الغائب غير المشاهد ، فيأخذ المستبصر من رؤية تقلب الليل والنهار ، وانتظامه بإحكام ودوامه دليلا على أن إرادة حكيمة متصرفة تفعل ذلك بتدبير وإحكام ، وخص أولي الأبصار بالعبرة ، لأنهم يدركون ببصرهم ما يحسون وما يرون ، ويدركون ببصيرتهم ما وراء هذا الذي يحسون به من قدرة باهرة .