مع لجاجتهم في الكفر والتكذيب والاستهزاء يذكرهم تعالى بنعمه عليهم بإيجاز فيقول:
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( 7 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( 8 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 9 )} .
الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى التوبيخ ، والواو عاطفة على فعل محذوف تقدريه في القول افعلوا ذلك ، ولم ينظروا ، وهذا توبيخ على فعلهم ؛ لأنهم استهزءوا بالحق ، ونعم الله تحوطهم وتستغرقهم{ يروا} معناه يرون ، ولكنها هنا نظرة تأملية متتبعة وليست نظرة عاجلة خاضعة ، بل ترجع البصر حينا بعد حين ، ولذا كانت التعدية للدلالة على التتبع متبصرين إلى الأرض كيف ينبت فيها النبات ، ويستغلظ سوقه ، ويقوي عوده حتى يصير طعاما في ذاته أو حبا متراكبا ، وهكذا ، ولذا قال تعالى:{ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} كمهنا هي الخبر الدال على الكثرة ، موضعها في الإعراب النصب أي كثيرا ما انبتنا فيها{ من كل زوج} من بيانية ، أي أنبتنا من زوج أي شيئين متقابلين في اللون أو الذكورة والأنوثة ، وغير ذلك من كل شيئين متقابلين في الألوان والطعوم ، وكريمأي كثير المنافع في الأكل والملبس ، والمأوى ، وإن هذه الجملة السامية فيها من دلائل الإعجاز بإيجاز القصر ، الذي تكثر فيه المعاني مع قلة الألفاظ فهذه الجملة شملت كل ما معاني الإنبات ، وثماره من زرع وغراس نخيل وعنب ، وفواكه من كل ما تشمله الألفاظ ، وتراه الأعين .