بعد أن بين حقيقة البعث ، وأن الأدلة قائمة عليه ، وأن العقل يثبت إمكانه والنقل يثبت وجوده ، ذكر سبحانه وتعالى قول الذين كفروا فيه ، فقال:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} يذكرون في تفكير الحسي الذي يؤمنون فيه بالمادة وحدها مانعين حسيين في زعمهم الباطل ، والمانع الأول هو الموت ، وهو في زعمهم مانع حسي كيف يعود الميت حيا ، وهم لم يألفوه ، ولم يروه فهو وحده كاف للمنع ، وقد أضيف المانع الثاني ، وهو أنهم يصيرون ترابا ، وكان هنا بمعنى صار ، وكنا ترابا أي صرنا ترابا ، وتحللت الأجزاء الحية من أجسامنا ، وأبعدت عنا الحياة بحقيقتها ومظاهرها ، كيف تبصر بعد ذلك أن نحيا بعد أن ندفن ، ولذا قال تعالى عنهم:{ أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} ، أي أننا نخرج من القبور ، بعد أن دفنا فيها ، وصرنا في ضمن أجزائها ، ولا منفصل عنها ، فكيف يتميز خلقنا عن خلقها ، وقد أكدوا عدم الخروج بتكرار الاستفهام ، كأنه في ذاته أمر غريب ، وزكوا الاستفهام المانع باللام والوصف ، أي أنكون مخرجين حقا وصدقا ، وخروجا مؤكدا .
وقوله تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} كان الإظهار في موضع الإضمار ، فلم يقل وقالوا ؛ وذلك لأن الصلة وهي الجحود والكفر هما الإنكار ، واستغراق المادة لهم ، حتى إنهم لا يفكرون قط في أمر معنوي ، ولا أمر غيبي فقد استغرقتهم المادة حتى صاروا لا يؤمنون إلا بها .