{ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم او يعذبهم فإنهم ظالمون128 ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم129 يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون130 واتقوا النار التي أعدت للكافرين131 وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون132}
الكلام متصل بغزوة احد وما فيها من عبر ، فغنه يروى في الصحاح عن انس:ان النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم احد ، وشج وجهه الكريم ، حتى سال منه الدم الزكي ، فقال عليه الصلاة والسلام:"كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم"{[563]} فأنزل الله تعالى:{ ليس لك من المر شيء او يتوب عليهم} .
وسواء أكان هذا هو السبب في النزول أم لم يكن ، فإن الخبر صحيح في ذاته ، والآية الكريمة متصلة بما قبلها ، وهو اتصال تفسير وتتميم على بعض التخريجات ، او اتصال موضوع على تخريج آخر ، إذ إن موضوعها متصل بغزوة احد كالآيات قبلها ، والتخريجات يظهران في تفسير قوله تعالى:{ او يتوب عليهم} ،فإن بعض العلماء يعتبرها معطوفة على قوله تعالى في الآية السابقة:{ او يكبتهم} ، ويكون قوله تعالى:{ ليس لك من الأمر شيء} جملة معترضة ؛ والمعنى على هذا:إن النصر من عند الله العزيز الحكيم يعطيه عباده المؤمنين ليقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم ، بأن يخزيهم ويرد كيدهم في نحورهم ،او يتوب عليهم او يعذبهم ، ولكن المر في هذا ليس لك ، إنما هو لله تعالى ، لأنه يتصل بتدبيره سبحانه الكوني ، وتقديره الأزلي ، وليس لك ان تدبر ما تستطيعه ، وتقدر ما يدخل في حسابك ، وتنفيذ ما تكلف بتكليفه وقد رجح هذا التخريج الزمخشري ، وقال فيه:( المعنى ان الله مالك أمرهم ، فإما ان يهلكهم او يهزمهم او يتوب عليهم عن أسلموا ، او يعذبهم إن أصروا على الكفر ، وليس لك من أمرهم شيء إنما انت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم ) .
هذا هو التخريج الأول في قوله تعالى:{ او يتوب عليهم} ، وهناك تخريج آخر مؤداه ان الاتصال ليس عطف بين الآيتين ، إنما هو اتصال موضوع فقط ، وهذه الآية تكون لأمر جديد في الموضع ، وهو بيان ان هؤلاء منهم من يفلح فيتوب ، ومنهم من يصر على الكفر فيعذب ، وتكون نصب( أو يتوب ) على تقدير( أن ) الناصبة ، وتكون( أو ) بمعنى( حتى ) والمعنى:ليس لك من أمرهم شيء فيما يتعلق بمستقبلهم حتى يتوب الله عليهم فتفرح بتوبتهم ، او حتى ي صروا فيعذبهم فترى آية الله فيهم وصدق وعده لأنبيائه ، إذ قد وعد ، ووعده حق وصدق .
وقيل عن( او ) هنا بمعنى( إلا ) ، والمعنى:ليس لك من أمرهم شيء إلا ان يتوب الله عليهم فتفرح ، او يعذبهم فيذهب غيظ المؤمنين ، والمؤدى واحد سواء كانت( او ) بمعنى"حتى"او"إلا".
وقوله تعالى:{ فإنهم ظالمون}تعليل لعذابهم عند إصرارهم ، فالسبب في التعذيب بعد هذا الإصرار انهم ظالمون ، لأنهم اعتدوا على المؤمنين ففتنوهم عن دينهم الذي ارتضوا ، واعتدوا على النبي صلى الله عليه وسلم بإيذائه والسخرية منه ، واعتدوا مرة ثالثة بقتال المؤمنين ، ومحاولة اقتلاع مدينتهم الطاهرة ، واعتدوا على الحقائق فموهوها وزيفوها ، واعتدوا على أنفسهم فأظلوها وأفسدوها ؛ اعتدوا كل هذه الأنواع من الاعتداء فكانوا ظالمين ومستحقين للعذاب ، وقد أكد سبحانه وتعالى وصفهم بالظلم ب"إن"المؤكدة للحكم ، وبالجملة الاسمية ، وبوصفهم بالظلم كأنه شأن من شئونهم وطبيعة في نفوسهم ، إذ لم تهدهم إلى الحق الحجج الدامغة ، ولا الآيات البينة ولا القوة الغالبة .