وقد بين سبحانه ان الله غافر ما كان منكم من خطأ في ماضيكم ، ومجازيكم بخير مما ينال هؤلاء ، ولذا قال تعالى:{ ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} .
اشتمل الكلام على قسم وجملة شرطية واقعة ، فالله سبحانه وتعالى يقسم وهو العزيز الحكيم بأن من يموت او يقتل في سبيل الله طالبا رضاه محتسبا النية في جهاده يناله جزاءان عظيمان:أحدهما- ان يغفر الله تعالى ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وتلك نعمة عظيمة ، لا يشعر بها إلا من يشعر بتقصيره ويحاول رضا مولاه ، ويغلب الخوف على الرجاء ، ويستصغر حسناته بجوار ما يرتكب من هفوات ، وتلك مرتبة الصديقين والشهداء والصالحين ، وذلك ما يتضمنه الوعد بالمغفرة من رضوان الله تعالى ، فإن الله تعالى لا يغفر إلا لمن يرضى عنه ، ويذهب عنه سخطه سبحانه وتعالى ، ففي الوعد بالمغفرة نعمة الغفران ، ونعمة الرضوان وهو أكبر .
الأمر الثاني- الرحمة من الله تعالى ، ورحمة الله تعالى تتضمن الثواب ، والنعيم المقيم يوم القيامة ، وذكر رحمة الله تعالى في هذا المقام لكيلا تذهب نفوس المؤمنين حسرة على ما ماتوا منهم ، فإنهم ليسوا في شقاء بل هم في نعيم ،{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون169}[ آل عمران] .
وهنا بحوث ثلاثة حول هذا النص الكريم:
أولها:انه سبحانه وتعالى صرح بأن مغفرته ورحمته خير مما يجمع المشركون من أموال وعقار وكل أغراض الدنيا ، ويقول ابن عباس فيما روى عنه من تفسير:( خير من طلائع الأرض ذهبة حمراء ) أي خير من ملء الأرض ذهب احمر ، و"خير"افعل تفضيل ، وهو هنا ليس على بابه فإن الخيرية في مغفرة الله تعالى ، ولا خيرية فيما يكنزون ، فإنها تكوى بها جباههم وجنوبهم ، او تقول أفعل التفضيل على بابه ، ويكون المراد من الخير مطلق النفع ، ولا شك ان رحمة الله ومغفرته انفع لأنهما أبقى .
ثانيها:أنه ذكر ان الموت قد يكون في سبيل الله وذلك إذا كان المؤمن يعيش طول حياته مخلصا لله وللحق وللمعرفة والهداية يحب الشيء لا يحبه إلا لله تعالى ، وكان الله ورسوله احب إليه من نفسه ، فإن من يكون كذلك يعيش لله وفي سبيل الله ويموت في سبيل الله .