{ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله} بعد ان خرج أولئك الأبرار الأطهار ، وقد استعدوا إلى اللقاء عادوا من بدر إذ لم يجدوا{[626]} ، فمعنى انقلبوا عادوا . والانقلاب في العودة تصوير للحال الحسية عند العودة ؛ لأنهم بعد أن كانوا مستقبلين بدرا استدبر وها وبعد أن استدبروا استقبلوها ، وهذا التعبير يدل على انهم عادوا كما خرجوا لم يقتلوا ولم يقاتلوا ، ولكن صحبهم في هذه العودة أمور أربعة:أولها- نعمة الله عليه إذ خذل أعداءهم وثبطهم وألقى الرعب في قلوبهم وأحسوا بأنهم وحدهم لا قبل لهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ، ولذلك لما عادوا إلى القتال ومحاولة ضرب المدينة ضربة قاصمة جمعوا العرب بشتى قبائلهم في غزوة الأحزاب في العام الثاني ، وثانيها- الفضل من الله ، وقد فسر كثيرون الفضل بأنه فضل مالي ؛ لأن المسلمين لما لم يجدوا قتالا اتجروا في بدر ، ويروى أن عيرا كبيرة مرت ببدر في هذا الموسم من سوقها فاشتراها النبي صلى الله عليه وسلم فربح مالا ، وقسمه بين أصحابه وذلك الربح هو الفضل ، وقد روى البيهقي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما{[627]} ولا مانع من ان نعتبر ذلك الفضل معنويا ، وهو فضل الجهاد والنية المحتسبة وقد باعوا انفسهم لله تعالى ، ولعل الأولى ان نقول ، إن الفضل يشمل النوعين الربح المالي ، والشرف المعنوي ، وكلاهما قد نالوه .
وثالث الأمور- أنهم عادوا سالمين ، وهذا معنى:{ لم يمسسهم سوء} أي لم تنزل بهم جراح ، بل إنه حتى الأمر الذي يسوءهم لم يمسسهم بل قد عادوا فرحين مستبشرين ، ورابع الأمور- انهم اتبعوا رضوان الله ، أي اتبعوا امر الله تعالى ، وساروا في الطريق الذي يكون فيه رضوانه تبارك وتعالى ، ورضوان الله أعظم ما يناله المؤمن ، وحسبه ان يكون في عمل فيه رضوان الله الذي هو أكبر النعم لينال حظي الدنيا والآخرة ، وغن هذه النعم التي نالوها هي من فضل الله تعالى:
{ والله ذو فضل عظيم} ختم الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة بذلك النص السامي وهي تصف المولى العلي الكريم بأنه صاحب فضل عظيم لا تكتنه حقيقته ، ولا يحده الحصر ، وقد بدا فيما أسبغه الله تعالى من نعم على الناس أجمعين ، وما أنقذ به عباده المؤمنين من شر الكافرين ، وما وفقهم له من طلب رضوانه وما نصرهم به من نصر مؤزر ، والتنكير في الفضل ووصفه لإفادة كثرته وقوة أثره .