القول في تأويل قوله:فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
قال أبو جعفر:يعني جل ثناؤه بقوله:"فانقلبوا بنعمة من الله "، فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، (1) من وجههم الذي توجَّهوا فيه -وهو سيرهم في أثر عدوهم- إلى حمراء الأسد="بنعمة من الله "، يعني:بعافية من ربهم، لم يلقوا بها عدوًّا. (2) "وفضل "، يعني:أصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم التي تَجَروا بها، (3) الأجر الذي اكتسبوه (4) =:"لم يمسسهم سوء "يعني:لم ينلهم بها مكروه من عدوّهم ولا أذى (5) ="واتبعوا رضوان الله "، يعني بذلك:أنهم أرضوا الله بفعلهم ذلك، واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدوّ، وطاعتهم="والله ذو فضل عظيم "، يعني:والله ذو إحسان وطَوْل عليهم -بصرف عدوهم الذي كانوا قد همُّوا بالكرة إليهم، وغير ذلك من أياديه عندهم وعلى غيرهم- بنعمه (6) ="عظيم "عند من أنعم به عليه من خلقه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
8251 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، &; 7-415 &; عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فانقلبوا بنعمة من الله وفضل "، قال:والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر.
8252 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، وافقوا السوق فابتاعوا، وذلك قوله:"فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ". قال:الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر= قال ابن جريج:ما أصابوا من البيع نعمة من الله وفضل، أصابوا عَفْوه وغِرَّته (7) لا ينازعهم فيه أحد= قال:وقوله:"لم يمسسهم سوء "، قال:قتل="واتبعوا رضوان الله "، قال:طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
8253 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"والله ذو فضل عظيم "، لما صرف عنهم من لقاء عدوهم. (8)
8254 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال:أطاعوا الله وابتغوا حاجتهم، ولم يؤذهم أحد،"فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ".
8255 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال:أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى- ببدر دراهم، (9) ابتاعوا بها من موسم بدر فأصابوا تجارة، فذلك قول الله:"فانقلبوا بنعمة من لله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ". أما "النعمة "فهي العافية، وأما "الفضل "فالتجارة، و "السوء "القتل.
---------------
الهوامش:
(1) انظر تفسير"انقلب"فيما سلف 3:163.
(2) انظر تفسير"النعمة"فيما سلف 4:272.
(3) في المطبوعة:"اتجروا بها"، وأثبت ما في المخطوطة."تجر يتجر تجرًا وتجارة":باع واشترى ، ومثله:"اتجر"على وزن (افتعل). والثلاثي على وزن (نصر وينصر).
(4) انظر تفسير"الفضل"فيما سلف ص299 تعليق:2 ، والمراجع هناك.
(5) انظر تفسير"المس"فيما سلف 5:118 / 7:155 ، 238.
(6) السياق:"والله ذو إحسان وطول. . . بنعمه".
(7) في المطبوعة:"وعزته"، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة غير منقوطة. و"الغرة"(بكسر الغين) الغفلة ، يريد خلو السوق ممن يزاحمهم فيها ، كأنهم أتوها والناس في غفلة عنها. وهو مجاز ، ومثله عيش غرير:أي ناعم ، لا يفزع أهله.
(8) الأثر:8253 - سيرة ابن هشام 3:128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها:8244.
(9) في المطبوعة والدر المنثور"ببدر دراهم"، وفي المخطوطة "بردراهم"غير منقوطة ، وأخشى أن تكون كلمة مصحفة لم أهتد إليها ، وإن قرأتها"نثر دراهم"، فلعلها! وشيء نثر (بفتحتين) متناثر. ولا أدري أيصح ذلك أو لا يصح.