وقد اقترن وصف السعة هنا بوصف العلم ،للإشارة إلى ان فضله تعالى هو على مقتضى علمه ،فهو يعطي من يشاء بمقتضى فضله وعلمه ،فما من شئ يكون من الله تعالى لعباده إلا بميزان ،وكل شئ عند ربك بمقدار ؛وغنه بمقتضى هذا يختص برحمته ،ويختص آخر بنوع آخر ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:
{ يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}اختص تستعمل لازمة ومتعدية ،فيقال اختصه الله بفضله ،ويقال اختص بفضل الله ،والله سبحانه وتعالى بمقتضى علمه وحكمته يختص برحمة معينة من رحماته خلقا من خلقه ،فقد يقول قائل عن كل من في الوجود في رحمة الله تعالى ،ما من احد من خلق الله تعالى غلا ناله نصيب من رحمة الله ،ومنهم من يشكر ،ومنهم من يكفر ،فلم عبر سبحانه وتعالى بهذا الاختصاص ،ولا عام أعم من رحمة الله ،ولا عموم إلا في فضل الله تعالى ؟ .
والجواب عن ذلك ان الرحمة التي يختص الله تعالى بعض عباده بها هي الرحمة النوعية ،فيختص سبحانه هذا بالعلم ،وذلك بالمال ،وهذا بالجاه ،وذلك بالراحة ،وهذا الفريق بالرسالة والهداية ،وذلك الفريق بالغلب والسلطان ؛و"كل ميسر لما خلق له"{[515]} .
فإذا كان بنو إسرائيل وأشباههم قد نفسوا على بني إسماعيل{[516]} ان تكون فيهم النبوة الكبرى التي تختتم بها رسالة السماء إلى الأرض ،فذلك مما اختص به سبحانه وتعالى بعض عباده بالرحمة ،وليس لحد ان يعترض على فعل الله ،فإن فضله على من اختصه عميم ؛وفضله أيضا على من لم يمنحه هذا النوع من الرحمة عظيم ؛ولذا ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله:{ والله ذو الفضل العظيم}فلا عظمة تساوي عظمة فضل الله تعالى على خلقه ،فالاختصاص النوعي لبعض الرحمات لا يعارضه عموم الفضل على خلقه ،ولا عظمة هذا الفضل .
اللهم من علينا بتوفيقك لنعرف فضل نعمتك ،ونشكرك ولا نكفرك ،وتب علينا ،إنك انت التواب الرحيم .