وإن أولئك الذين يتمسحون بذكر إبراهيم لم يتبعوه ،ولم يهتدوا بهديه ،بل خرجوا عن منهاج الفطرة الذي هداه الله تعالى ، ولذلك أمرهم الله سبحانه وتعالى بإتباعه فقال تعالت كلماته:
{ قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا}المر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد امره ان يذكر لهم صدق الله تعالى فيما أخبره به من ان إبراهيم ما حرم الإبل ولا ألبانها ، وان بني إسرائيل من قبل التوراة كان كل الطعام الطيب حلالا لهم غير حرام عليهم .
وفي ذلك إشارة إلى انهم يعاندون الله تعالى بأخبارهم الكاذبة ، وان كلامهم لا يروج عند مؤمن ، لأنه إما ان يصدق الله تعالى ذا الجلال والإكرام ، المنفرد بحق العبودية ، والمنفرد بالألوهية ، وإما يصدق أخبارهم الكاذبة التي تتنزى بالحقد والحسد الدفين .
وإذا كانوا يتمسحون بإبراهيم فعليهم ان يتبعوه في اخص شريعته ولبها ،ولذا قال:{ فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا}أي اتبعوا منهاجه وشرعته وطريقته ،وقد كان طريقه هو طريق الفطرة السليمة ، ولذلك وصفه بقوله"حنيفا"أي متجها إلى الحق لا ينحرف عنه إلى غيره ، ولا يسلك غير سبيل المؤمنين يجيب داعي الحق إذا دعي إليه .
وإذا استمروا على طريقهم من معاندة الحق ومنازلته ، وإثارة غبار الشك حوله ، فإنهم بعيدون عن إبراهيم ،كما بعد المشركون ، وقد أكد سبحانه بعد إبراهيم عن الشرك بقوله:
{ وما كان من المشركين} هذا نفى الإشراك عن إبراهيم عليه السلام نفيا مؤكدا وهو مؤكد بالجملة الاسمية ،وبالفعل"كان"، فهو نفى للكينونة أي الوجود ، فهو لم يوجد مشركا ولا يمكن ان يكون مشركا ، او يدخل في صفوف المشركين ، وفي ذلك بيان براءة إبراهيم من مشركي قريش براءته من اليهود ، فليس لأحد الفريقين ان يتمسح به ، وان يذكر انه يسير على ملته ، وهو لا يخلص في قول ولا يجعل وجهته رب العالمين .
اللهم اهدنا بهديك ، وخلص قلوبنا ، وأصلح أحوالنا ، ووفقنا إلى الإخلاص في القول والعمل إنك سميع الدعاء .