امتداد رسالي:
وتنتهي الآيات بالأمر للنبيّ ( ص ) أن يؤكّد موقفه الذي حاول اليهود أن يثيروا الريب والشكوك من حوله ،للإيحاء بأنَّه ليس من عند اللّه ،ولهذا جاء التأكيد بقوله: [ قل صدق اللّه] فإنَّ قول النبيّ هو قول اللّه ،لذلك كان التشكيك به تشكيكاً بقول اللّه ،كما أنَّ تصديق اللّه يستلزم التصديق به .ثُمَّ أمر باتباع ملّة إبراهيم الحنيف المخلص المائل عن الباطل إلى الحقّ ،لأنَّ ملّته هي الإسلام في نطاقه الشامل الذي يستوعب كلّ الرسالات في مراحلها المتنوّعة المتدرِّجة .
[ فاتَّبعوا ملّة إبراهيم] التي تمثِّل ملّة النبيّ محمَّد( ص ) ،لما تمثِّله من الامتداد الرسالي لتلك الملّة التي تجمع في داخلها الخطوط العامّة لكلّ ما يريد اللّه أن يلتزموه في المعنى التوحيدي الشامل من حيثُ الفكر والعمل ،]حنيفاً[ منفتحاً على خطّ الاستقامة في طريق الحقّ المائلة عن خطّ الباطل ،فقد كان يمثِّل التوحيد الخالص عقيدةً ومنهجاً وعبادةً وحركةً في الجانب العملي من الحياة ،[ وما كان من المشركين] فقد كان ثورة على الشرك كلّه بكلّ قوّة ،حتّى أنَّه عادى قومه وأباه في سبيل ذلك .
وقد دعا في نهاية المطاف إلى اتباع ملّة محمَّد ( ص ) ،باعتبار أنَّها تمثِّل إرادة اللّه الأخيرة في خطّ الرسالات ،ما يجعل اتباعها إسلاماً للّه الواحد ،وتجسيداً للتوحيد الحقّ الذي تلتقي لديه كلّ منطلقات الحياة الخيرة وتخضع له ،فذلك هو خطّ إبراهيم ( ع ) التوحيدي الذي يرفض كلّ شرك ،سواء كان شركاً مباشراً كشرك المشركين من قريش وغيرهم ،أو كان شركاً غير مباشر كشرك أهل الكتاب في عقيدتهم بالمسيح وغيره .
من وحي الآية:
وربَّما نستوحي من هذه الآيةفي خطّ الدعوةأنَّ علينا مواجهة الفئات المنحرفة التي تضع في عناوينها الكبرى شخصية تاريخية عظيمة أو مقدسة من الشخصيات التي تحمل في واقعها الحركي القيم الكبرى في الدائرة العقيدية والروحية والاجتماعية من خلال التزامها بالرسالة الشاملة ،فتتبع الأسلوب العملي الذي يضع أمامها الخطّ العام الذي تحرّكت به هذه الشخصية التاريخية في تجربتها الماضية في عملية مقارنة بين الواقع الذي يعيشون فيه وبين الخطّ العام الذي تمثِّله في ميزان القيم المتنوّعة ،وذلك من خلال تجربة النبيّ( ص ) في الموقع القرشي الذي كان يضع إبراهيم ( ع ) عنواناً له من خلال انتساب قريش إليه ،ولكنَّهم كانوا في الوقت نفسه يعبدون الأصنام خلافاً لرسالة التوحيد الإبراهيمية ،فكانت هذه الآية بعد الخطاب الذي وجهه القرآن إليهم إعلاناً للزيف الذي يتحرّكون فيه على مستوى العقيدة والعبادة .