{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى}
/م114
إن الكثير الذي يتناجى به الآثمون هو في أكثر أحواله يكون منشؤه أنهم لا يندمجون بإحساسهم مع المؤمنين ، فهم في جانب إحساسهم وشعورهم ، والرسول والمؤمنون في جانب آخر ، وهم في الجانب الذي اختاروه يجعلون السلطان عليهم لجماعة أخرى ، كأولئك المنافقين الذين كانوا يجعلون نصرهم في أمرهم لليهود أو للمشركين ، وهذا معنى قوله تعالى:{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} ، والشقاق أو المشاقة ، وهو أن يكون في شق والآخرون في شق ، أي يكون في جانب بإحساسه وولائه ، والرسول والمؤمنون في جانب آخر بإيمانهم وولائهم لله تعالى ، وذلك كله بعد أن يتبين له الحق وقامت أدلة الهداية .
ومن يفعل ذلك فإنه يكون قد خرج من ولاية المؤمنين ونصرتهم إلى ولاية من يتولونه ونصرته ، أي أنهم يكونون قد انضموا إلى أعداء الله تعالى !
وقد قال الإمام الطبري في تفسير هذا النص:"ومن يباين الرسول من بعد ما تبين له أنه رسول الله ، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ويتبع طريقا غير طريقأهل التصديق ، ويسلك منهاجا غير مناهجهم وذلك هو الكفر بالله ، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجه .{ نوله ما تولى}:يجعل ناصره ما استنصره ، واستعان به"، ونرى من هذا أنه يجعل الشاقين كافرين ، وذلك حق ولكننا نخصهم بالمنافقين من الكفار ، لأنهم الذين كانوا مع إظهارهم الإسلام يكونون في شق ، والمؤمنون والرسول معهم في جانب الحق ، وقد ذكر سبحانه العقوبة المترتبة على ذلك فقال:
{ ونصله جهنم وساءت مصيرا} أصل الصلى إيقاد النار ، وصلى بالنار بلى بها ، وصلى النار دخل فيها ، وأصلاه فيها أدخله فيها ، فمعنى قوله تعالى:{ ونصله جهنم} أدخلناه جهنم يشوى فيها كما تشوى الشاة ، وأنها باقية ، وهو يخلد فيها لا يخرج منها يوم القيامة أبدا . كذا قال تعالى:{ وساءت مصيرا} أي أنها مصيره الدائم الباقي ولا مصير له سواه ، لأنه كافر معاند للحق بعد أن تبينت له كل الأدلة المثبتة ، وما أشد ذلك المصير سوءا وقبحا ، وهو جزاء لما كانوا يعملون .
وقبل أن نختم الكلام في ذلك النص نقول:إن بعض علماء أصول الفقه قالوا إن هذه الآية دليل على أن الإجماع حجة وينسبون ذلك الاستدلال إلى الشافعي ، ولم نجد فيما كتبه الإمام الجليل ما يدل على أنه استشهد بها في بيان حجية الإجماع ، ولا نجد روح الآية ومعناها يدل على ذلك لأنها كانت في قوم منافقين كافرين ، شاقوا الرسول والمؤمنين . وقد رد الغزالي في كتابه "المستصفى"القول بأنها دليل على حجية الإجماع وكان كلامه حقا ، والله سبحانه وتعالى أعلم . اللهم لا تجعل ولايتنا لغيرك واجعل ولايتنا لك ولرسولك وللمؤمنين .