{ ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك}
/م163
هذا بيان إجمالي يقرر أن الله تعالى أرسل رسلا كثيرة ، قد قص بعضهم على النبي صلى الله عليه وسلم والآخر لم يقصه ، والقص تتبع الأثر يقال قصصت أثره ثم أطلق على الأخبار المتتابعة ، ونرى هنا أن ( قص ) متعدية ، مفعولها المذكور من أخبارهم والمعنى على هذا في النص تتبعنا آثارهم وأخبارهم التي يكون في ذكرها عبرة لأولي الألباب ، وليكون ضرب الأمثال للنبي صلى الله عليه وسلم في صبرهم ، وإيذاء أقوامهم لهم ، وإن الرسل الذين قصهم الله تعالى على نبيه من قبل كان في السور المكية ، فإنها مملوءة بأخبارهم وفيه ذكرى النبوات الأولى السابقة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وإن أكثر هؤلاء الذين قص الله تعالى أخبارهم ممن كانوا في البلاد العربية أو يجاورونها أو كانت له صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم في نسب ، أو كان الذين يدعون إتباعهم يجادلون النبي صلى الله عليه ونسلم ويمارون في دعوته .
وليست النبوة مقصورة في هؤلاء ، إنما هناك نبوات ورسالات أخرى كانت في الأمم البعيدة مثل الصين والهند وغيرها من الأراضي التي سكنها أقوام كثيرون ، وليس لنا إلا أن نفرض أن رسلا بعثوا إلى هؤلاء الأقوام ، لأن الله تعالى يقول:{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( 36 )}( القيامة ) ولا شك أن تركهم من غير نبي مبعوث ترك لهم سدى ، وذلك ما نفى الله تعالى في استنكار أن يقع وقد قال تعالى:{ وإن من أمة لا خلا فيها نذير ( 24 )}( فاطر ) .
ولذلك قال تعالى في هذا النص الكريم الذي نتكلم في معناه{ ورسلا قد قصصناهم عليك} ونصبت "رسلا"على الاشتغال أي نصبت بفعل قد تضمن معناه الفعل الذي ولى المنصوب ، والمعنى قصصنا رسلا من قبل:{ ورسلا قد قصصناهم عليك} ويكون الابتداء بذكر الرسل والاهتمام بهم لأنهم المقصودون ، وأخبارهم وقصصهم جاء تبعا لهم وختم الله النص بقوله تعالى:{ وكلم الله موسى تكليما} هذا تخصيص لموسى عليه السلام بالذكر ، ولم يذكر في ضمن من ذكوا من السابقين وذلك لأنه هو الذي نزلت عليه التوراة التي كانت شريعة لمن جاء بعده ، ولأن اليهود الذي جحدوا بآيات الله كانوا يدعون الأخذ بشريعته ولأنه نزل به اختبار شديد بسبب بني إسرائيل الذين كانوا محل رسالته ، وأخيرا لأنه اختص من بين المذكورين بأن الله تعالى كلمه ، وقد جاء الصريح بأنه كلمه في هذا النص ، وفي غيره ومن ذلك قوله تعالى في أول سورة طه:{ فلما أتاها نودي يا موسى( 11 ) إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى( 12 ) وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى( 13 )}( طه ) .
وإن هذا يدل على أن الله تعالى متصف بصفة الكلام ، والمعتزلة من الفرق الإسلامية ينكرون نسبة صفة الكلام لله تعالى ، ويذهب فرط غلو بعضهم إلى أن يفسروا قوله تعالى{ وكلم الله موسى تكليما} بأن كلم من الكلم لا من الكلام أي أن الله تعالى اختبر موسى عليه السلام اختبارات شديدة كانت كالكلام والجروح ، وتلك مغالاة في تفسير القرآن الكريم بالمذهبية ، وقد أنكره الزمخشري وهو منهم وسماه من بدع التفاسير . والحق أن كلم من الكلام وقد أكد تكليم الله تعالى لموسى بالمصدر والظاهر من الكلام إذ أكد ، كان غير قابل للمجاز ولا للتأويل وأنه يجب تفسير القرآن بظواهره وخصوصا الظواهر المؤكدة ولا تطغى الآراء المذهبية على المعاني القرآنية ، فالقرآن منبع الحق ونور المتقين .