{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} السفهاء جمع سفيه ، والسفه اضطراب في الرأي والفكر ، وأصله من اضطراب المحسوسات . ويقول الراغب الأصفهاني في مفرداته:"السفه صفة في البدن ، ومنه قيل زمان سفيه كثير الاضطراب ، وثوب سفيه ردئ النسج ، واستعمل السفه في صفة النفس لنقصان العقل في الأمور الدنيوية".
والسفهاء هنا هم الذين لا يحسنون تدبير الموال إما لصغر سنهم ، وإما لنقص عقولهم ، وغما لسوء تدبيرهم وتبذيرهم ، والقيام هنا هو الولاية المالية والسلطان ، وعبر عن الولاية بالقيام ، لأن القيام هو العماد والإسناد في اللغة ، والولاية المالية المقصود منها أن تكون عمادا وسندا للقاصر المولى عليه ، وعلى هذا التفسير يكون معنى السفهاء شاملا لكل العاجزين عن تدبير المال أيا كان سبب العجز . ويكون معنى النص الكريم:لا تعطوا المال للذين لا يحسنون القيام عليه لصغر او نقص عقل ، أو فساد رأي ثابت ، والمراد مال هؤلاء ، ولكن أضيف المال إلى الأولياء ليحثهم على حفظه وصيانته كأنه مالهم ، وقد يكون الخطاب لجميع الأمة بالدعوة إلى المحافظة على أموال العاجزين ؛ لأنه من حال الأمة المتضافرة المتعاونة المتكافلة ، ورجح الزمخشري انه خطاب للأولياء ، وقال في ذلك:"والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم ؛ لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم ، كما قال:{. . . ولا تقتلوا أنفسكم . . .29}[ النساء] والدليل على انه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله:{ وارزقوهم فيها واكسوهم} وإنه على ان الخطاب لمجموع الأمة المتكافلة يكون من التكافل رزق اليتامى وعدم قهرهم .
{ وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} معنى الرزق الإنفاق المستمر المنظم على الشخص في طعامه وكسوته ، فالكسوة بل المسكن داخلان في ارزقوهم وإنما خص الكسوة بالذكر ؛ لأنها كثيرا ما تهمل ، وللحث على المبالغة في تكريمهم ، و من مظاهر التكريم الكسوة الحسنة ، وقال ارزقوهم فيها واكسوهم ، ولم يقل ارزقوهم منها للإشارة إلى ان الرزق لا يقتطع منها ، بل يتجر فيها ويعمل فيها ليكون الرزق فيها من الكسب لا من أصلها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة"{[671]} وقد قال الزمخشري في تفسير ارزقوهم فيها:"اجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال"وقد أمر الله تعالى بألا يرهق المحجور عليه ، ولا يستذلوا ولا يقهروا ؛ ولذا قال:{ وقولوا لهم قولا معروفا} أي قولا غير منكر وغير مسترذل ،وغير قاهر وغير مضعف لنفوسهم ، ولا مذل لهم ، وذلك لكيلا يذهب الحجر بعزة نفوسهم ، وليشعروا انه في مصلحتهم ، ولكيلا تضعف شخصيتهم ، ويمردوا مع الذلة صغارا ؛ فيعادوا الناس كبارا ، والله هو الولي وهو نعم المولى ونعم النصير .