{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا}
المفردات:
السفهاء: جمع سفيه والمراد من السفهاء هنا: ضعفاء العقول والأفكار الذين لا يحسنون التصرف .
قياما: ما تقوم به أموركم وتصلح شئونكم .
التفسير:
{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا قولا معروفا} .
المعنى العام:
ولا تعطوا ضعاف العقول ممن لا يحسنون التصرف في أموالهم التي هي أمولكم ،فإن مال اليتيم وضعيف العقل مالكم ،ويعنيكم أمره وإصلاحه حتى لا يضيع المال فقد جعله الله قوام الحياة وأعطوهم من ثمراتها النصيب الذي يحتاجون إليه في العام ،وأكسوهم وعاملوهم بالحسنى ،وقولوا لهم قولا يرضيهم ولا يؤذيهم ولا يذلهم .
في أعقاب الآية:
1- اختلف المفسرون في تعيين المخاطبين بقوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم .
قال بعضهم المراد بذلك الأوصياء على اليتامى والمراد من السفهاء اليتامى غير العقلاء .
وقال بعضهم الخطاب في الآية الكريمة للآباء والمراد من السفهاء الأولاد الذين يفسدهم المال ويشجعهم على سوء الفعال .
والواقع أن السفهاء تشمل جميع السفهاء من صبي ويتيم وزوجة صغيرة ..
فالمسألة ليست خاصة بل الآية دستور عام ينادي بجميع الناس حاكمين ومحكومين ،وأوصياء وآباء .
والمراد بالسفهاء كل من لا يحسن المحافظة على ماله لصغره ،أو لضعف عقله ،لسوء تصرفاته سواء أكان من اليتامى أم من غيرهم .
2- يقول الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز:
كأنه يقول المال وإن كان ملكا لزيد وعبيد إلا أنه حق للدولة فالجماعة مسئولة عن إضاعة هذه الأموال أيها الرجل المضارب لا تدفع مالك إلى مبدد مبذر .
فالمجموع موزع على المجموع والغرض منه الوحدة والتكافل21 .
3- عنى الإسلام بالمحافظة على المال وتثميره وحث القرآن على العمل واكتساب الرزق وبين أن المال قوام الحياة فقال:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} .
هي من أعجب الأوامر التي تأتي في دستور روحي ،وفيها أعظم وصية لتثمير المال ومراعاة قيمته لأنه مقوم الحياة .
وليس ذلك بغريب عن روح القرآن فأطول آية منه جمعت بين الكتابة والشهادة ،والصادر والوارد في قوله سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا} ( البقرة: 282 ) .
4- قال القرآن:{وارزقوهم فيها} .
أي اجعلوا الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم وذلك بالاتجار فيها ،واستثمارها فتكون نفقتهم من غلتها وربحها لا من أصل المال وهذا هو سر التعبير فيها ولم يقل: منها .
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة "22 .
5- القول المعروف يرفع الروح المعنوية للسفيه ويخلق عنده الأمل في أن يسترد ماله وصحته وإنسانيته .
والمعروف كلمة الحق عامة تشمل كل ما عرف حسنه وكل ما يناسب حال السفيه من كلمة حانية أو عطف ومودة ،أو بشاشة ورحمة أو زرع الأمل والثقة في المستقبل مثل أن يقول المال مالك وما أنت إلا حارس أحفظه لك من الضياع وعند الكبر أو الرشد أو التدبر للأمر - أرده إليك وتصبح أنت كامل التصرف مطلق الحرية ونحو ذلك من العبارات التي تزيل اليأس والقنوط وتغرس الأمل والرجاء .
6- تفيد الآية وجوب العناية بالأموال وتثميرها وتيسيرها إفادة الناس بها ،يقول الأستاذ الشيخ محمود شلتوت: ( فليس لأحد أن يقول مالي مالي هو مالي وحدي لا ينتفع به سواي فالمال مال الجميع والمال مال الله ينتفع به الجميع عن الطريق الذي شرعه الله في سد الحاجات ودفع الملمات ،وهو ملك لصاحبه يتصرف فيه ،لا كما يشاء ويهوى بل كما رسم الله ،وبين في كتابه حتى إذا ما أخل بذلك فأسرف وبذر أو ضن وقتر حجر عليه أو اخذ منه قهرا عنه ما يرى الحاكم أخذه من مثله )23 .
7- من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة ،وجوب الحجر على السفهاء وجوب إقامة الوصي والولي والكفيل على الأيتام والصغار ومن حكمهم ،ممن لا يحسنون التصرف24