{ فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا} أي فمنهم قرابة إبراهيم وذريته وأوليائه الذين جاءوا ، من آمن بما جاء به من هدى ، وسار على مقتضاه ، وانتفع به انتفاعا كليا ، أو نهل من موارده العذبة ، أو أخذ بقدر ما تقوى عليه نفسه ، وهو في ضمن المهديين ، ومنهم من أعرض عنه ، وإن ذلك المعرض له جزاؤه وهو جهنم التي تلتهب نارها ، وتستعر ، فلم يكن من آل إبراهيم وذريته مقتضيا أن يصدقوا بالرسائل الإلهية التي نزلت بين ربوعهم وفي أوساطهم ، فمن العرب وهم من آل إبراهيم من أشرك بالله وعبد الأوثان ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من آل إبراهيم بعث فيهم رحمة للعالمين ، وأنتم معشر اليهود كفرتم وكذبتم الرسل من آل إبراهيم وقتلتم بعضهم ، ولم ينفعكم أنكم من ذرية إسحق بن إبراهيم ، فلا عبرة بالأنساب ، إنما العبرة الاستجابة للحق ، والإيمان به والإذعان لحقائقه .
وهنا بحثان لفظيان:أحدهما أن ( صدّ ) تستعمل لازمة متعدية ، وإذا كانت لازمة فمصدرها الصدود ومعناه الإعراض ، وإن كانت متعدية فمصدرها الصد ، ومن ذلك قوله تعالى{. . .وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل . . .( 38 )}( العنكبوت ) والنص هنا معناه الإعراض عن الهداية التي جاءت إليهم فهو من اللازم .
والثاني:قوله تعالى:{ وكفى بجهنم سعيرا}لم يذكر فيها من كانت جهنم كفاية لهم ، وهو مفهوم من فحوى الكلام ، والمعنى كفاهم أن تكون جهنم بسعيرها ولهيبها مصيرا لهم .
وإن هذا مصير كل كافر سواء أكان من اليهود أم كان من غيرهم ، ولذا قال سبحانه وتعالى:{ إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا} .