{ واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور( 7 ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون( 8 )} .
/م7
{ واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} الخطاب في هذه الآية للذين آمنوا ، فهو امتداد للسياق الذي كان يتعلق بالصلاة وما قبله من بيان الحلال والحرام كان يتعلق بالذين آمنوا فالآية الكريمة سائرة على هذا النسق البياني الرائع ، والأمر في الآية لطلب تذكر أمرين جليلين ، وهما نعمة الله تعالى التي أنعمها على المؤمنين وهي آلاء جليلة عظيمة ، وتشمل نوعين من النعم ، عامة وخاصة فالعامة تعم الناس جميعا مشركهم ومؤمنهم وهي نعمة الوجود وتسخير الكون بكل ما فيه لبني الإنسان والخاصة ما أسداه الله تعالى إلى المؤمنين ، إذ هداهم وإذ كانوا قليلا فكثرهم وكانوا متفرقين فجمعهم ، وكانوا أذلاء فأعزهم ، وكانوا فقراء فأغناهم وكانوا مستضعفين في الأرض فمكن لهم فيها بمنه سبحانه وفضله ، كما قال تعالى:{. . .فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار . . . ( 103 ){ ( آل عمران ) .
والأمر الثاني الذي ذكرهم الله تعالى به هو الميثاق الذي عقدوه مع الله تعالى ، والميثاق في اللغة هو العقد الموثق المؤكد بيمين الله تعالى وقد كان العهد من جانبهم يوجب عليهم السمع والطاعة فيما يأمرهم به الله تعالى ، وفيما ينهاهم عنه ، فالعهد فيه التزام من جانبهم وهو السمع والطاعة ووعد من جانب الله تعالى بأن يوليهم نعمه ، ويهبهم النصر من لدنه وهو العزيز الحكيم وقد أكد سبحانه وتعالى ذلك العهد بقوله:{ الذي واثقكم به} أي الذي عقده سبحانه وتعالى معكم وتبادل معكم توثيقه وتأكيده ، إذ إن واثق تقتضي المبادلة فالله تعالى ذو الجلال والإكرام هو الذي تولى ذلك الميثاق .
والمفسرون يتكلمون في الميثاق ما هو ؟ قيل:هو الميثاق الذي أخذ بمقتضى الفطرة ولكن ذلك الميثاق لا يخص المؤمنين ، بل يعم البشر وقيل:إنه الميثاق الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل يثرب في العقبة{[878]} ، ولكن هذا يخص الأنصار ولا يعم المؤمنين والحق أنه الميثاق الذي كان التواثق فيه على أساس التزام المؤمنين بالسمع والطاعة ، كما عين النص الكريم موضوعه إذ قال سبحانه:{ إذ قلتم سمعنا وأطعنا} أي في الوقت الذي التزمتم فيه بالسمع والطاعة ، وقد اختار ذلك ابن جرير ( وهو قول ابن عباس ) وقال في اختياره:"وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول ابن عباس وهو أن معناه:واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله تعالى عليكم التي أنعمها بهدايته للإسلام ، وميثاقه الذي واثقكم به ، يعني وعهده الذي عاهدكم به ، حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له في المنشط والمكره ، والعسر واليسر إذ قلتم:سمعنا ما قلت لنا ، وأخذت علينا من المواثيق ، وأطعناك فيما أمرتنا به ، ونهيتنا عنه". . .إلخ .
وكان التذكير بهذين الأمرين ليقوم المؤمنون بحقهما ، فيما يتعلق بمعاملة الغير وفي علاقتهم بالناس من حيث إقامة العدالة لذات الله تعالى لا يريدون إلا وجهه الكريم وليكون القسط والميزان أساس أعمالهم .
{ واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بنعمه عليهم وميثاقه الذي واثقهم عليه ، على أساس السمع والطاعة ، طلب إليهم أمرا آخر هو أساس الاستجابة للميثاق وهو تقوى الله تعالى بأن يستشعروا دائما عظمته ، ويتخذوا وقاية لأنفسهم من معصية الله تعالى ، فإن التقوى هي أساس الطاعة وهي لب الاستجابة لما جاء في ميثاق الله تعالى وهو أعلى ميثاق في الوجود ، لا ميثاق يدانيه إلا إذا كان مشتقا منه ، بأن يكون أساسه السمع والطاعة لله في المنشط والمكره ، وفي العسر واليسر وإن التقوى لله موضعها القلوب ، وهي التي تحرك الجوارح فلا طاعة إلا إذا انبعثت من القلب عن طواعية ورضا واطمئنان ولذا قال سبحانه:{ إن الله عليم بذات الصدور} وتكرار ذكر الله تعالى لإشعار المؤمنين برقابته وإلى أنه فوقهم ومطلع عليهم ، ومراقبتهم بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى والله تعالى عليم علما لا يدرك كنهه بكل شيء بما تخفيه وما تكنه الأفئدة . وذات الصدور هي:الأمور الملازمة للصدور التي تخفيها ولا تظهرها فهي بالنسبة للصدور كالصاحب بالنسبة لصاحبه يلازمه ولا يبعد عنه ، ولا ينكشف فهي من ناحية أنها لا تخرج من الصدر تعد مصاحبته ويعبر عنها بذات الصدر كما يقال:فلان ذو مال . أي ملازم له .
وذكر إحاطة علم الله تعالى في هذا فيه إشارة إلى وجوب تطهير القلوب من الدنس ، وتنظيفها من الشر ، حتى لا تربد به وتطمس وفيه تنبيه إلى أنه من يريد السمع والطاعة عليه أن يتجه إلى قلبه ويشعر بأن الله عليم به ، مطلع عليه لا تخفى عليه خافية .