الإيمان حياة والشرك ظلمات
( أوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 122 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 123 وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ 124 ) .
كانت الآيات السابقات في أحوال المشركين من إشراك بالله الى سيطرة الأوهام عليهم ، حتى حرموا على أنفسهم ما أحل الله تعالى ، وفي هذه الآيات يبين سبحانه وتعالى أن الشرك موت نفسي كمن يموت موتا حسيا ، وأن الهداية حياة بعد الموت وأنها نور ، وأن الشرك ظلمات متكاثفة بعضها فوق بعض ، تبتدئ بالأهواء وهي ظلمة ثم بالأوهام وهي ظلمة ثم تنتهي بالشرك وهو ظلمات .
شبه الله تعالى حال من يكون في جهل ثم يتجه الى الهداية كحال من يكون ميتا فيحييه الله ويجعل له نورا يمشي به في الناس ، ليهتدي به ، ثم نفى أن يكون ذلك الحي المهدى بعد الجهل الذي هو الموت نفى أن يكون مثله من يعيش في ظلمات من الجهالة والضلالة لا يمكن أن يخرج منها ، وهذا معنى قوله تعالى:
( أوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) .
( الواو ) عاطفة ، هذه الجملة عطفت على ما قبلها ، من ذكر أوهام المشركين وطلبهم آيات وتحريمهم ما أحل الله ، وإحالة الإثم منهم ظاهرا وباطنا ، وهذه الآية هي بيان للفرق بين المؤمن والمشرك والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع ، فهو نفى للمشابهة والمعنى لا يستوي من يكون ميتا بالجهالة فأحييناه بالإسلام والهداية والمعرفة وجعلنا له إدراكا ومعرفة يمشي بها في الناس هاديا لهم ويرشدهم ويسترشد بهم ، كمن مثله من نشا في الظلمات لا يخرج منها ، بل يتردى فيها يتحرك في جنباتها ولا يخرج وعبر سبحانه عن عدم خروجه من الظلمات بقوله:( ليس بخارج منها ) أي أنه ألف الظلمات وصار لا يمكن أن يخرج منها ، فعبر باسم الفاعل أي صار مثل المقيم في الظلمات وأكد سبحانه وتعالى نفى الخروج بالباء وبالوصف فهو مرتكس في الظلمات ليس بخارج منها .
فلا يستوي بمقتضى هذا النفى المؤمن والمشرك كما لا يستوي النور والظلمة كما لا يستوي المبصر والأعمى وهذا كقوله تعالى في آية أخرى:( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ 19وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ 20وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ 21وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ 22إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ 23 ) ( فاطر ) .
( كذلك زين للكافرين ما كانوا يعلمون ) كهذه الحال التي صاروا بها في ظلمات ليسوا بخارجين منها ، لأنهم استمرواوا الظلام وألفوه ، واستطابوا الإقامة فيه لا يخرجون مثل هذه الحال زين للكافرين ما كانوا يعلمونه من إنكار وبقاء في الباطل حتى حسبوا أن ما هم عليه ، هو الحق الذي لا ياتيه الباطل .
وقوله تعالى:( زين ) بالبناء للمجهول للإشارة إلى أنهم لم يكن لهم من عقل أو فكر أو هداية إنما زين لهم باهوائهم وأوهامهم فضلوا ضلالا بعيدا و ( ما ) هنا موصول بمعنى الذي و ( كانوا ) دالة على استمرار عملهم وسيكون ما زينته لهم أوهامهم وبالا عليهم يوم القيامة .