وقد بين الله تعالى من بعد أن هذه الوصايا هي طريق الله الحق الذي بينه لعباده فقال تعالى:( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) .
( الواو ) واو العطف فهي عاطفة هذه الآية على ما قبلها من الوصايا ، و ( أن ) مفتوحة فهي ليست صدر جملة مبتدأة بل مصدر منسبك مع ما بعدها ، وعاملها ( اتل ) واتل عليهم وبين لهم أن هذا صراطي مستقيما لا عوج فيه ، والصراط:الطريق ، فطريق الله تعالى مستقيم ، والمستقيم أقرب طريق يوصل إلى الحق ، كما أن الخط المستقيم أقرب خط بين نقطتين .
والإشارة إلى ما يبينه الله تعالى من ضلال الذين يحرمون ما احل الله وبيان ما أحل وما حرم وبيان ضلال من قتلوا أولادهم سفها بغير علم ، وما بينه الله تعالى من نهي عن الشرك وطلب الإحسان إلى الوالدين والنهي عن قتل الأولاد من إملاق والنهي عن القرب من الفواحش والنهي عن قتل النفس التي حرم الله قتلها ، والأمر بالإحسان الى اليتيم ووفاء الكيل والميزان والعدل في القول والوفاء بعهد الله .
كل هذه المعاني أو جماعها هو طريق الله تعالى وهو طريق مستقيم وقوله تعالى:( مستقيما ) حال من اسم الإشارة .
والطريق المستقيم الذي هو صراط الله ، والذي هو الخط الذي بينه الله تعالى لعباده يجيء بجواره سبل مختلفة هي مثارات الشيطان يضل بها عباد الله تعالى عن الطريقة المثلى والمنهاج السوي الهادي .
ولقد روى ابن مسعود قال:خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال صلى الله عليه وسلم:( هذا سبيل مستقيم ) وخط عن يمينه وعن شماله ثم قال:( هذه السبل ليس منه سبيل الا على رأسه شيطان يدعو إليه ) ثم تلا قوله تعالى:( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ){[1077]} .
ومعنى قوله تعالى:( فتفرق بكم عن سبيله ) أن هذه السبل التي هي مثارات الشيطان فيها أمران يخرجان بهما عن سبيل الله .
أولهما:أنها آثام لا استقامة فيها بل هي معوجات مضلة . وثانيها:أنها مع ما فيها من إثم تبعد عن الحق وتتفرق في باطلها فهي لا تلتقي مع الخط المستقيم وتتفرق بعضها عن بعض .
جاء في سنن ابن ماجه بسنده عن العرباض ابن سارية قال:( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقلنا يا رسول الله عن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا فقال:تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعد إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي . عضوا عليها بالنواجد وإياكم والأمور المحدثات فان كل بدعة ضلالة ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبدا حبشيا وانما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ){[1078]} .
اللهم إن اتباع السبل المتفرقة التي هي مثارات الشيطان والتي على كل رأس منها شيطان هي التي فرقت أمتك وجعلت باسها بينها شديدا اللهم فاهدها إلى صراطك المستقيم .
وإن هذا الصراط هو جماع التوصيات ولذا قال تعالى:( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) ويصح أن نعد هذه الوصية العاشرة وتكون الوفاء بالكيل والميزان وصية واحدة ، وهو أولى والإشارة إلى الصراط المستقيم وصى الله تعالى به ، أي أمرنا بالوقوف على هدى الله في هذا صراط أمرا مشددا بالا نحيد عنه ، لأن التفرق فيه يجعل أمرنا سددا بددا ، لا تجمعنا فيه جامعة ولا نسلك طريق هداية ، ولذلك قرر بعد هذه التوصية المؤكدة ( لعلكم تتقون ) أي رجاء أن تمتلئ قلوبكم بتقوى الله تعالى ، وأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية ، ولعلكم أن ترجو رحمته بعد خوف عقابه فإن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ، ثم اهتدى .