قوله:{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصكم به لعلكم تتقون} أن بالفتح ،في محل نصب ،والتقدير: واتل أن هذا صراطي .أو على تقدير حذف حرف الجر ،وتقديره: ولأن هذا صراطي .مستقيما ،منصوب على الحال{[1318]} .
على أن هذه الآية عظيمة في مدلولها ومعناها ،بل إنها بالغة الأهمية في التأكيد على التزام دين الله الحق وهو الإسلام .وذلك بالسير على هداه واتباع عقيدته وقيمه وتشريعه من غير تفريط في شيء من أحكامه وتعاليمه .ومن غير زيغ عن منهج الإسلام أو اغترار بغيره من شرائع الكفر وعقائد الضلال .
أما صراط الله المستقيم ،فهو دينه الإسلام الذي ارتضاه لعباده ليكون لهم منهج حياة يسلكونه في دنياهم فينجون ويحظون بسعادة الدارين .وهو كذلك مستقيم أي قويم مستو لا اعوجاج فيه عن الحق .وقد أمر الله العباد باتباعه دون غيره من الأديان والملل والضلالات فقال:{فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فتفرق منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية{[1319]} والسبل ،جمع سبيل .والمراد بالسبل: الملل والعقائد وغير ذلك من الطرق المذهبية الفاسدة ومختلف المناهج الأرضية كالضلالات البشرية التي ابتدعتها العقول الضالة والطبائع الشاذة كعقائد المجوس والبهائيين والهندوس والبوذية والاشتراكية وغير ذلك من نظم الأرض التي أفرزنها أهواء البشر ،والتي بنيت على الشهوات والأنانيات كالذي بني على عبادة المال وهو نظام رأس المال .أو الذي بني على التعصب للإقليم والجنس بما يسمى بالقوميات ،فضلا عن الديانات السماوية المحرفة التي خالطها التحريف والتزييف والتبديل فنسفها من الأصول والفروع نسفا ،كاليهودية والنصرانية .إنه لا مساغ بحال من الأحوال أن تتبع البشرية غير منهج الإسلام ،لأنه من عند الله حقا وصدقا ،إذ لم يصبه تحريف ولا تزييف ولم يمسه مثقال ذرة من تغيير أو تبديل .وإنما هو المنهج الرباني الكامل الذي يراعي فطرة الإنسان أكمل مراعاة ،ويلبي رغباته ومطالبه النفسية والروحية والبدنية أتم تلبية من غير إنقاص ولا حرمان ولا كبت ومن غير إسراف ولا تبذير ولا إفراط .وإذا سلكت البشرية صراط الإسلام المستقيم فلسوف تهتدي تمام الاهتداء ،ولسوف تمضي في طريق الحق والسداد بعيدا عن كل ظواهر الزيغ والضلال والخوف وجنوح النفس والذهن .وإذ ذاك لسوف تستظل البشرية بظلال الإسلام الوافرة الرخية ونسائمه المشرقة الندية لتعيش عيش الآمنين الكرماء وتحيى حياة المطمئنين السعداء .وذلك هو مقتضى قوله:{ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} أي لا تتبعوا الملل والضلالات والمذاهب الأرضية التي ابتكرتها الطبائع الخبيثة والأذهان الشاردة التائهة من شياطين البشر .وإذا اتبعتم مثل هاتيك العقائد الفاسدة ،والمذاهب الفكرية الكاذبة فسوف تفضي بكم إلى التفرق عن سبيل الله .أي تجنح بكم عن طرق الله وهو الإسلام لتذهب بكم مذاهب شتى فتنقلبوا متفرقين أشتاتا أو تبوءوا مختلفين متدابرين .فتذهب ريحكم وتهون شوكتكم ثم تصيرون بعد ذلك إلى سخط الله وعذابه .وفي هذا أخرج الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال:"هذا سبيل الله مستقيما "وخط عن يمينه وشماله ثم قال:"هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعوا إليه "ثم قال{وأن هذا صرطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} وقد جمع السبل من غير صراط الله ،لأنها عبارة عن مجموع الضلالات والأباطيل والأديان المحرفة وهي كثيرة ومختلفة وعديدة .بخلاف صراط الله المستقيم وهو سبيله الواحد لأنه الحق .وهو واحد لا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتعدد .كقوله تعالى:{ليخرجكم من الظلمت إلى النور} .
قوله:{ذلكم وصكم به لعلكم تتقون} الإشارة إلى اتباع سبيل الله وهو صراطه المستقيم ،والكف عن اتباع السبل الأخرى الضالة .فقد وصى الله عباده بالسير في سبيله واتباع منهجه الحكيم واجتناب سبل الضلال التي تفرق القلوب وتجعل الناس أشتاتا متنافرين .لقد وصى الله بذلك عباده ليكون لهم في ذلك منجاة لهم من هوان الدنيا وشقائها وتعسها ،ومنجاة لهم من عذاب الله يوم القيامة{[1320]} .