وأن هذا القرآن الذي أدعوكم إليه ،وأدعوكم به إلى ما يحييكم ،هو صراطي ومنهاجي الذي أسلكه إلى مرضاة الله ،لا يَضِلُّ سالكه ،ولا يهتدي تاركه .
الوصية العاشرة: لا تتبعوا الطرق الباطلة المضلّة التي نهاكم الله عنها ،حتى لا تتفرقوا شيعا وأحزابا ،وتبعدوا عن صراط الله المستقيم ،كما هو حاصلٌ اليوم .فنحن لنا في كل خِربةٍ دولةٌ ذات مجد !!في كل بيت عدة شيع وأحزاب !!هدانا الله وتجاوز عما نحن فهي من مخادعة !
أخرج الإمام أحمد والنسائي وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال:
«خطّ رسول الله خطاً بيده ،ثم قال: هذا سبيلُ الله مستقيما ،ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذِه السبُل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه » ثم قرأ:{وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} .
وقد جعل الله تعالى الصراط المستقيم واحدا والسبلَ المخالفة متعددة ،لأن الحق واحدٌ والباطل كثير .ولما كان اتباع الصراط المستقيم وعدم التفرق فيه يجمع الكلمة ويعز أهل الحق ،كان التفرق فيه سبب الضَّعف وذلك المتفرقين وضياع حقهم .
{ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .لقد أوصاكم باتباع صراط الحق المستقيم ونهاكم عن سبيل الضلالات والأباطيل ليهيئكم لاتقاء كل ما يشقي ويردي في الدنيا والآخرة .
وقد وردت أحاديث كثيرة بشأن هذه الوصايا ،من ذلك ما أخرجه عبد بن حميد ،وابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ؟ثم تلا: قل تَعالوا أتلُ ما حرّم ربُّكم عليكم ...ثم قال فَمن وفى بهنّ فأجرُه على الله ،ومن انتقص منهنّ شيئاً فأدركه الله في الدُّنيا كانت عقوبتُه ،من أخّر إلى الآخرة كان أمرُه إلى الله ،إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه » .
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي «وإن هذا صراطي » بكسر همزة إن .وقرأ ابن عامر ويعقوب «وأنْ هذا صراطي » بفتح همزة أَن وبتخفيف النون .وقرأ ابن عامر «صراطيَ » بفتح الياء والباقون بتسكين الياء .وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم: وأنَّ ،بفتح الهمزة وتشديد النون .
لقد رسمتْ هذه الآية والآيتين اللتين قبلها للإنسان طريق علاقته بربه الذي يرجع إليه الإحسان والفضل في كل شيء: «ألاّ تُشرِكوا به شيئا » ،ووضعت الأساس المتين الذي يُبنى عليه صرح الأُسَر التي تكوِّن الأمةَ القوية الناجحة في الحياة: «وبالوالدَين إحسانا » ،وسدّت منافذ الشر الذي يصيب الإنسان من الإنسان في الأنفُس والأعراض والأموال ،وهي عناصر لا بدّ لسلامة الأُمة من سلامتها: «ولا تقتلوا أولادَكم » ،«ولا تقتلوا النفسَ » «ولا تقربوا مال اليتيم » ثم ذكرتْ أهمّ المبادئ التي تسمو الحياة الاجتماعيةُ بالتزامِها والمحافظة عليها: «وأوفوا الكيلَ والميزان » «وإذا قُلتم فاعِدلوا » «وبعهدِ الله أَوفوا » .وخَتمت بأن هذه التكاليف ،وتلك المبادئ ،هي الصِراط المستقيم ،بُعِث به محمد عليه الصلاة والسلام ،كما بعث به جميع الرسل السابقين .
وقد أطلق العلماء على ما جاء في هذه الآية والآيتين اللتين قبلها «الوصايا العشر » نظرا لتذييل آياتها الثلاث بقولِ الله: «ذلكُم وصّاكم به » وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «مَن سرَّه أن ينظر إلى وصيّةِ محمد التي عليها خاتَمُه فليقرأْ هذه الآيات:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...إلى قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهقال:
لما أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يَعرِض نفسه على قبائل العرب خرج إلى مِنَى وأنا وأبو بكرٍ معه .فوقف رسول الله على منازل القوم ومضاربهم ،فسلَّم عليهم وردّوا السلام .وكان في القوم مفروقُ بن عمرو ،وهانئ بن قَبيصة ،والمثنّى بنُ حارثة والنعمانُ بن شَريك .
وكان مفروق أغلبَ القوم لساناً وأوضَحهم بيانا ،فالتفتَ إلى رسول الله وقال له: إلامَ تدعو يا أخا قريش ؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له ،وأَنّي رسولُ الله ،وأن تُؤوُني وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدّيَ حقّ اللهِ الذي أمرني به ،فإن قريشاً قد تظاهرتْ على أمر الله ،وكذّبت رسوله ،واستغنت بالباطل عن الحق ،والله هو الغني الحميد .
فقال مفروق: وإلامَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ...الآيات الثلاث » .
فقال مفروق: وإلامَ تدعو أيضا يا أخا قريش ؟فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ،ولو كان من كلامهم لعرفناه .فتلا رسولُ الله:{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فقال مفروق: دعوتَ واللهِ يا قرشِيُّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ،وقد أفِكَ قوم كذّبوك وظاهروا عليك .
وقال هانئ بن قبيصة: قد سمعتُ مقالتك واستحسنتُ قولك يا أخا قريش .ويعجبني ما تكلّمت به .فبشّرهم الرسول- إن آمنوا- بأرضِ فارسَ وأنهارِ كسرى .فقال النعمان: اللهمُّ وإنّ ذلك يا أخا قريش ؟فتلا رسول الله قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} ثم نهض رسول الله وتركَهم وكلًّهم يعجَب من هذه الفصاحة ،وتلك المعاني السامية ،والفضائل العليا .
هذه مكانة الآية والآيتين اللتين قبلها من ذلك الكتاب العظيم ،وهذا مبلغ تأثيرها في نفوس العرب ،أهلِ الجاهلية !وكيف لا تكون لها تلك المكانةُ وقد جمعتْ بأسلوبها الآخذِ بالقلوب أصولَ الفضائل ،وعُمُدَ الحياة الطيبة التي تنبع من الفطرة السليمة !!
وبعد ،فأين المسلمون اليوم حينما يسمعون هذه الآيات ،ثم ينظرون إلى ما هم فيه من تفرُّق في الآراء والأحكام ،ومجافاةٍ لأحكام الله ،وبُغضٍ لما لا يتفق وأهواءَهم منها ،ومن الارتماء في أحضان أعدائهم المستعمرين ،قدامى وجُدُد !!
نسأل الله تعالى أن يجمعنا على كتابه الكريم ويهدينا الصراط المستقيم .