{صِراطِي}: الصراط: الطريق المستقيم .
{السُّبُلَ}: جمع سبيل ،وهو الطريق الذي فيه سهولة .
{وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} .وهذه الوصيّة العاشرة ،التي لا تحوي مضموناً معيناً لفعل خاص من أفعال الإنسان ،بل هي تشمل كل حياته .إنها دعوةٌ لتحديد الطريق التي يسلكها على أساس الهدف الذي يستهدفه ،فإذا كان الله هو هدف وجوده ،في ما يريد أن يبلغه من رضوانه ،ويصل إليه من جنته ،فإن هناك طريقاً واحداً يصل به إلى هذا الهدف ،لا يوجد غيره ،ولا سبيل سواه ،وهو الطريق المستقيم ،الذي يبدأ من الإيمان بالله وينتهي بنيل رضاه .
أمّا إذا كان الهدف هو الشيطان ،فهناك أكثر من طريقٍ للأهواء والشهوات والأطماع ،وهناك آلاف السبل الصغيرة والكبيرة ،للشياطين الصغار والكبار ،ولكنها سبل ملتوية ومتعرّجة تغرق الإنسان في متاهات الضياع ،فلا يخرج من مضيقٍ إلا ليدخل في مضيقٍ آخر ،وكلّما شعر أنه وصل إلى نهاية الطريق ،انفتح له طريق آخر ،وهكذا ،حتى يبتعد عن طريق الله ،ويضلّ عن سبيل السلام .
فليست المشكلة عند المؤمن في ما يمارسه من أعمالٍ كثيرةٍ أو قليلةٍ ،ولا ما يستعرضه في حياته من أشكال وألوان الحركة ،وما يقوم به من طقوس وعاداتٍ وتقاليد ،لأن ذلك كله يقف على هامش قضية الهدى والضلال ،بل المشكلة تكمن في تحديد خط الاستقامة أو خط الانحراف ،فذلك هو الهدى كله ،أو الضلال كله ،ويدخل في هذا الموضوع منهج الحياة الفكري والعملي ،وطبيعة القيادة والولاية ،فللمنهج دوره في مسألة الإطار الذي تتحرك فيه الحياة ،وللقيادة دورها في تحديد الخطوات وتثبيتها وملاءمتها للمنهج في خطه العريض وتفاصيله الكثيرة .
ولذلك كان التأكيد في هذه الآية على اتباع الصراط المستقيم ،والابتعاد عن الطرق المنحرفة التي تبعد الإنسان عن سبيل الله ..{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لأن ذلك هو سرّ التقوى المنضبط في خط السير على أساس وضوح الرؤية ،ولن يكون ذلك إلا في نطاق الخط المستقيم المنفتح الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج ،بل هو الأفق المنفتح الذي يتفجر فيه النور من جميع جوانبه ،ويطل الهدى منه في كل الاتجاهات .
وقد جاء في مجمع البيان قال ابن عباس: هذه الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب ،وهي محرّمات على بني آدم كلهم ،وهن أم الكتاب ،من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار .وقد جاء في التوراة في الفصل الثلاثين سفر الخروج أحكامٌ عشرة تعرف عند اليهود بالوصايا ،وهي تبدأ من الجملة الثانية وتنتهي عند السابعة عشرة من ذلك الفصل .