( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ 158 إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ 159 )
أتى الله تعالى بالبينات فكذبوها ، وأرسل عليهم الرسل بمعجزات قاهرة فلم يصدقوها ، وأرسل اليهم محمدا خاتم النبيين فكذبوه فلم يبق إلا أن ينتظروا العذاب وما يسبقه والقيامة وما يتبعها من حساب وعقاب . منهم قد يئس الحق من أن يدركوه ولذا قال تعالى:( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) .
أكثر المفسرين على أن ذلك عندما يحين حين هذه الدنيا ، والاستفهام إنكاري توبيخي لا ينتظرون بعد هذا التكذيب الا أن تأتيهم الملائكة تقبض أرواحهم أو ياتيهم ربك أي امر ربك ، فهي من قبيل حذف المضاف والاكتفاء بذكر الله تعالى وأمر الله شديد لا قبل لكم باحتماله ، إذ يتغير الكون ، وينفخ في الصور ، ( أو ياتي بعض آيات ) من تغيير كل شيء في الكون إذ تقوم القيامة .
( يوم ياتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت ) ولم ينفعها خير لم تكن قد قدمته من قبل وهذا قوله تعالى:( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) .
( يوم يأتي بعض آيات ربك ) وهي ما يجيء يوم القيامة ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه الآيات فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:( لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة ويأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم وخروج الدجال وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ){[1079]} رواه أحمد وصححه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
وإذا كان ذلك اليوم المشهود يكون انتهى العمل وبقى الجزاء ، تكون الدنيا قد انتهت وابتدأت الآخرة ، فلا ينفع إيمان لأنه قد جاء بعد إبانة وفات أوانه فلا ينفع نفسا إيمانها ان آمنت إذ الإيمان يكون والنفس في فسحة من مجيء هذا اليوم ، أو إذا كانت كسبت خيرا في إيمانها لا ينفع في ذلك اليوم فهو ليس يوم الكسب بل هو يوم الجزاء فلا إيمان يجدي ، ولا ينفع كسب كسبه في إيمان في ذلك اليوم لأنه إذا كان الإيمان لا يجدي فما يكسبه فيه لا يجدي ( أو ) في معنى الواو هنا ، ولكن عبر بها لتنويع عدم النفع إذ لا ينفع إيمان ولا ينفع كسب مع إيمان اذ إن هذا هو يوم الجزاء .
هذا تفسير المفسرين وقد خطر خاطر أذكره غير جازم به ، ولكني أذكره على أنه احتمال وذلك أن قوله تعالى:( ينظرون إلا أن تاتيهم الملائكة أو ياتي ربك أو ياتي بعض آيات ربك ) أنهم لم تجئهم بينات النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد طلبوا أن تنزل عليهم الملائكة ولو جعله الله ملكا لجعله رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون وطلبوا أن يروا الله كما طلب بنو إسرائيل أن يروا ربهم وقالوا أرنا الله جهرة .
وطلبوا هم بعض آيات كونية ومن ذلك ما حكى القرآن الكريم عنهم إذ يقول تعالى:( وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا 90أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا 91أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً 92أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً 93وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً 94قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً95 ) ( الإسراء ) .
هذه آيات طلبوها أن تسقط كسفا من السماء أو ياتي الله والملائكة قبيلا فالله تعالى يقول في هذه الآية:( هل ينظرون إلا أن تأتيهم ) هذه الآيات أن تأتيكم الملائكة أو ياتيكم ربكم أو بعض آيات ربكم ليؤمنوا وقد كفرتم بكل الآيات ثم هددهم بأن تأتيهم بعض آيات ربك فتكون القيامة ولذا قال سبحانه آمرا نبيه أن يقول لهم ، ( قل انتظروا إنا منتظرين ) .قل يا محمد يا خير الخلق:انتظروا بعض ايات ربك التي تستقبلكم فيكون الحساب والعقاب وانا منتظرون لنلقاكم فيكون الجزاء بعد الحساب وحينئذ ينزل العقاب بكم على كفركم وينال المؤمنون الثواب لإيمانهم والله بكل شيء محيط ، وإن ذلك جزاء المشركين .