يقول تعالى متوعدا للكافرين به ، والمخالفين رسله والمكذبين بآياته ، والصادين عن سبيله:( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ) وذلك كائن يوم القيامة . ( أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ) الآية ، وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها كما قال البخاري في تفسير هذه الآية:
حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عمارة ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها . فذلك حين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) .
حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها "ثم قرأ هذه الآية .
هكذا روي هذا الحديث من هذين الوجهين . ومن الوجه الأول أخرجه بقية الجماعة في كتبهم إلا الترمذي ، من طرق ، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، به .
وأما الطريق الثاني:فرواه عن إسحاق غير منسوب ، فقيل:هو ابن منصور الكوسج ، وقيل:إسحاق بن نصر والله أعلم .
وقد رواه مسلم عن محمد بن رافع النيسابوري ، كلاهما عن عبد الرزاق ، به .
وقد ورد هذا الحديث من طرق أخر عن أبي هريرة ، كما انفرد مسلم بروايته من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، به .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث إذا خرجن ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض "
ورواه أحمد ، عن وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم سلمان ، عن أبي هريرة به ، وعنده:"والدخان "
ورواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، عن وكيع .
ورواه هو أيضا والترمذي ، من غير وجه ، عن فضيل بن غزوان ، به .
ورواه إسحاق بن عبد الله الفروي ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . ولكن لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه ، لضعف الفروي ، والله أعلم .
وقال ابن جرير:حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا شعيب بن الليث ، عن أبيه ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت آمن الناس كلهم ، وذلك حين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) الآية .
ورواه ابن لهيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، به . ورواه وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، به .
أخرج هذه الطرق كلها الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره .
وقال ابن جرير:حدثنا الحسن بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها ، قبل منه "
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
حديث آخر عن أبي ذر الغفاري:في الصحيحين وغيرهما ، من طرق ، عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر جندب بن جنادة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تدري أين تذهب الشمس إذا غربت؟ "قلت:لا أدري ، قال:"إنها تنتهي دون العرش ، ثم تخر ساجدة ، ثم تقوم حتى يقال لها:ارجعي فيوشك يا أبا ذر أن يقال لها:ارجعي من حيث جئت ، وذلك حين:( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) .
حديث آخر عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري ، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد بن حنبل:حدثنا سفيان ، عن فرات ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ، ونحن نتذاكر الساعة ، فقال:"لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات:طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف:خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق - أو:تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا "
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث فرات القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح .
حديث آخر عن حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه:
قال الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال:سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:يا رسول الله ، ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين ، فبينما الذين كانوا يصلون فيها ، يعملون كما كانوا يعملون قبلها والنجوم لا تسري ، قد قامت مكانها ، ثم يرقدون ، ثم يقومون فيصلون ، ثم يرقدون ، ثم يقومون فيطل عليهم جنوبهم حتى يتطاول عليهم الليل ، فيفزع الناس ولا يصبحون ، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها ، فإذا رآها الناس آمنوا ، ولا ينفعهم إيمانهم ".
رواه ابن مردويه ، وليس في الكتب الستة من هذا الوجه والله أعلم .
حديث آخر عن أبي سعيد الخدري - واسمه:سعد بن مالك بن سنان - رضي الله عنه وأرضاه:
قال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ) قال:"طلوع الشمس من مغربها ".
ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، به . وقال:غريب ، ورواه بعضهم ولم يرفعه .
وفي حديث طالوت بن عباد ، عن فضال بن جبير ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها "
وفي حديث عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن صفوان بن عسال قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون عاما للتوبة "، قال:"لا يغلق حتى تطلع الشمس منه "رواه الترمذي وصححه النسائي ، وابن ماجه في حديث طويل .
حديث آخر عن عبد الله بن أبي أوفى:
قال ابن مردويه:حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا ضرار بن صرد ، حدثنا ابن فضيل ، عن سليمان بن زيد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه ، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون ، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ، ثم ينام ، ثم يقوم فيقرأ حزبه ، ثم ينام . فبينما هم كذلك إذ صاح الناس بعضهم في بعض فقالوا:ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد ، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها ، فضج الناس ضجة واحدة ، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها "قال:"حينئذ لا ينفع نفسا إيمانها "
هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة .
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو .
قال الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال:جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه يقول - وهو يحدث في الآيات -:إن أولها خروج الدجال . قال:فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو ، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات ، فقال لم يقل مروان شيئا قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ضحى ، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها "ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتب -:وأظن أولها خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع ، حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل:أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع ، فلم يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء ، ثم تستأذن فلا يرد عليها شيء ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب ، وعرفت أنه إذا أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق ، قالت:ربي ، ما أبعد المشرق . من لي بالناس . حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع ، فيقال لها:من مكانك فاطلعي . فطلعت على الناس من مغربها "، ثم تلا عبد الله هذه الآية:( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) الآية .
وأخرجه مسلم في صحيحه ، وأبو داود وابن ماجه ، في سننيهما ، من حديث أبي حيان التيمي - واسمه يحيى بن سعيد بن حيان - عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، به .
حديث آخر عنه:
قال الطبراني:حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرقي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم - بن زبريق الحمصي - حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي ويجهر:إلهي ، مرني أن أسجد لمن شئت "قال:"فيجتمع إليه زبانيته فيقولون:يا سيدهم ، ما هذا التضرع؟ فيقول:إنما سألت ربي أن ينظر إلى الوقت المعلوم ، وهذا الوقت المعلوم "قال "ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا "قال:"فأول خطوة تضعها بأنطاكية فتأتي إبليس فتخطمه .
هذا حديث غريب جدا وسنده ضعيف ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك ، فأما رفعه فمنكر ، والله أعلم .
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنهم أجمعين:
قال الإمام أحمد:حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد يرده إلى مالك بن يخامر ، عن ابن السعدي ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل "فقال معاوية ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمرو بن العاص:إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الهجرة خصلتان:إحداهما تهجر السيئات ، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله ، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة ، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه ، وكفي الناس العمل "هذا الحديث حسن الإسناد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، والله أعلم .
حديث آخر عن ابن مسعود ، رضي الله عنه:
قال عوف الأعرابي ، عن محمد بن سيرين ، حدثني أبو عبيدة ، عن ابن مسعود ; أنه كان يقول:ما ذكر من الآيات فقد مضى غير أربع:طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض ، وخروج يأجوج ومأجوج . قال:وكان يقول:الآية التي تختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها ، ألم تر أن الله يقول:( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ) الآية كلها ، يعني طلوع الشمس من مغربها .
حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما:
رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا - فذكر حديثا طويلا غريبا منكرا رفعه ، وفيه:"أن الشمس والقمر يطلعان يومئذ مقرونين وإذا نصفا السماء رجعا ثم عادا إلى ما كانا عليه "وهو حديث غريب جدا بل منكر ، بل موضوع ، والله أعلم إن ادعى أنه مرفوع ، فأما وقفه على ابن عباس أو وهب بن منبه - وهو الأشبه - فغير مدفوع والله أعلم .
وقال سفيان ، عن منصور ، عن عامر ، عن عائشة رضي الله عنها قالت:إذا خرج أول الآيات ، طرحت الأقلام ، وحبست الحفظة ، وشهدت الأجساد على الأعمال . رواه ابن جرير .
فقوله عز وجل ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) أي:إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لا يقبل منه ، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك ، فإن كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم ، وإن كان مخلطا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته ، كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة ، وعليه يحمل قوله تعالى:( أو كسبت في إيمانها خيرا ) أي:ولا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك .
وقوله:( قل انتظروا إنا منتظرون ) تهديد شديد للكافرين ، ووعيد أكيد لمن سوف بإيمانه وتوبته إلى وقت لا ينفعه ذلك . وإنما كان الحكم هذا عند طلوع الشمس من مغربها ، لاقتراب وقت القيامة ، وظهور أشراطها كما قال:( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) [ محمد:18] ، وقال تعالى:( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) [ غافر:84 ، 85] .