( وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) .
قد وصف الله الذين كفروا بأنهم بعد قيام الدلائل التي تدركها الفطرة السليمة على وحدانية الله تعالى يجعلون عديلا لله في وحدانيته ويشركون فيه ، ومع أن الآيات الفطرية تدل أن خلق الإنسان إلى فناء في الدنيا ثم إلى بقاء وإنها للجنة أبدا أو للنار وقد بين من بعد أن الذين طمست فطرتهم فلم تدرك الحق لذات الحق لا تجدي معهم البراهين مهما قويت ولا الآيات مهما بينت فبين أنهم معرضون كمن يرى ضوء الشمس فيضع غشاوة لكيلا يراها ، ومن يسمع الحق فيضع أكنة على أذنه وما تأتيهم أية حجة إلا أعرضوا عنها ، وهنا بعض المباحث اللفظية التي تقرب معنى الآية الكريمة:
الأول:أن ( ما ) في قوله تعالى:( وما تأتيهم من آية ) لعموم النفي ( إلا كانوا عنها معرضين ) واستغراقه أي لا توجد أي آية .
الثاني:التعبير بقوله تعالى:( من آيات ربهم ) فيه ( من ) تبعيضية والمعنى فيه ما يأتيه آية ( من ) بعض آيات ربهم الذي خلقهم وذرأهم من العدم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا وهو الذي يكلؤهم ويرعاهم إلا كانوا عنها معرضين .
المبحث الثالث:أن قوله تعالى:( الا كانوا عنها معرضين ) فيه إثبات أن الإعراض عن الحق دأبهم وصفة ثابتة فيهم لا يتخلون عنها ، ودل على ذلك النفي والإثبات ثم التعبير ب ( كانوا ) الدالة على الدوام والاستمرار ثم التعبير بالوصف والمعنى الجملي:لا تأتيهم معجزة قاطعة في الإثبات من عند خالقهم إلا تلقوها معرضين عن مغزاها تاركين مؤداها .