/م4
قال عز وجل:{ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( 4 )} أي لم يكن كل أمرهم أنهم لم يستدلوا بما ذكر في الآية الأولى من البينات على التوحيد ، ولا بما ذكر في الثانية على البعث ، ولم ينظروا فيما يستلزمه كونه سبحانه هو الله في السموات وفي الأرض ، المحيط علمه بالسر والجهر وكسب العبد ، بل يرونها في الآفاق وفي أنفسهم ، عدم الاهتداء بالآيات المتجددة التي تهديهم إلى تلك وتبين لهم وجه دلالتها ، وهي آيات القرآن ، المرشدة إلى آيات الأكوان ، والمثبتة لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، وفي معناها كل ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من معجزات ، وذلك أنهم لا تأتيهم آية من الآيات من عند ربهم – ولا يقدر عليها غيره – إلا كانوا معرضين عنها ، غير متدبرين لمعناها ، ولا ناظرين فيما تدل عليه وتستلزمه فيهتدوا به .وأصل الإعتراض التولي عن الشيء الذي يظهر به عرض المتولي المدبر عنه .أي فهم لهذا الإعراض عن النظر في الآيات المنزلة وما فيها من الإعجاز العلمي واللفظي يظلون معرضين عن الآيات الكونية الدائمة الدالة على أن هذا الرب الواحد الذي بيده ملكوت كل شيء هو الحقيق بالألوهية وحده ، وأنه لا يجوز أن يدعي غيره ولا أن يعبد سواه ، لأن الربوبية والألوهية متلازمان .فالآيات الدالة على أن الرب واحد دالة أيضا على أنه هو الإله وحده ، ولولا إعراضهم عن النظر في ذلك والتأمل فيه عنادا من رؤسائهم ، وجمودا على التقليد من دهمائهم ، المانع من النظر والاستدلال ، لظهر لهم ظهورا لا يحتمل المراء ولا يقبل الجدال ، فالآية معطوفة على ما قبلها متممة لمعناه ، والمضارع المنفي فيها على إطلاقه دال على التجدد والاستمرار ، أو على بيان الشؤون وشرح الحقائق – كقوله تعالى:{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى} [ الرعد:8] – فلا يلاحظ فيه حال ولا استقبال ، وفي معنى هذه الآية آية أول سورة الشعراء وسيأتي قريبا ، وآية في أول سورة الأنبياء وهي:{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم} [ الأنبياء:2 ، 3] .
وقوله:« من آية » يدل على استغراق النفي أو تأكيده .وإضافة الآيات إلى الرب تفيد أن إنزاله الوحي وبعثه للرسل وتأييدهم وهدايته للخلق بهم من مقتضى ربوبيته أي مقتضى كونه هو السيد المالك المربي لخلقه المدبر لأمورهم على الوجه الموافق للحكمة .وأنه لا يقدر عليه غيره – فالذين يؤمنون بالرب ولا يؤمنون بكتبه ورسله .يجهلون قدر ربوبيته وكنه حكمته ورحمته .وقيل إن المراد بالآيات هنا الدلائل الكونية الثابتة ، وهو ضعيف فإن هذه لا يكاد يعبر عنها بالإتيان ، لأنها مائلة للبصائر والأبصار ، وإنما يعبر بالإتيان عن آيات الوحي التي تتجدد وعما يتجدد مثلها من المعجزات ، ومصداق الأخبار بالغيب ، كالأخبار بنصر الرسل وخذلان أقوامهم وآيات الساعة .مثال ذلك آيتا الأنبياء والشعراء المشار إليهما آنفا وقوله تعالى:{ أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} [ غافر:40]{ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها} [ الأعراف:132]{ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} [ يوسف:107] .
/خ5