( فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) إذا كانوا لا تأتيهم آية بينة مثبتة الرسالة إلا استقبلوها بإعراض كأنه عادة لهم ، وشأن من شؤونهم فلا بد أن يكذبوا بالحق الذي جاء به النبي صلىالله عليه وسلم وهو ما اشتملت عليه الرسالة المحمدية فهم قوم بور ، لأن الناس أقسام ثلاثة:قسم يهتدي إلى الحق عندما يدعي إليه ، لأنه يدرك ببصيرته إذ هي مشرقة مخلصة تستجيب للفطرة لأن الحق في فطرتها ، وفي ثناياها . وقسم يقبل الحق ، ويستمع إلى اياته ودلائله ويهتدي به . وقسم على قلبه غشاوة يعرض عن الحق ، وعن أدلته وهؤلاء لا علاج لهم الا بالسيف يقاتلون به أو بالعذاب الشديد ينزل بهم في الآخرة .
وأنهم لا يكتفوا بتكذيب الحق إذ جاءهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وبما اشتمل عليه القرآن الكريم من حقائق ثابتة بل تجاوزوا إنكار الحق إلى الاستهزاء بأهله والسخرية بمعتنقيه ، ولذلك قال سبحانه:( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) فإن هذا النص الكريم يشير إلى إخبار بالاستهزاء مطوي قد أغنى عن ذكره ما بعده في ثنايا القول الحكيم ، وإن هذا تهديد بأنه سينزل بهم عذاب شديد هو نتيجة وثمرة لاستهزائهم وكأنه لحتميته نبأ عن القرآن الذي كان به هذا الاستهزاء وفي الكلام إشارات بيانية تؤكد أنهم مخاطبون بالرسالة ومعاقبون على الإعراض .
الأولى:في قوله تعالى:( لما جاءهم ) وأنه نزل بساحاتهم وصار قريبا منهم ففي هذا تنبيه على أنهم المخاطبون بحجيته وأنه بينهم مستمر دائم لا يتوانى عن تذكيرهم مهما فروا حتى يكون ضلالهم عن بينة ومن بعد فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها .
الثانية:تأكيد ما ينزل بهم نتيجة لسخريتهم ب ( اللام ) وب ( سوف ) وبأنه يأتيهم فينزل بسالحاتهم وذلك تأكيدا لوقوعه .
الثالثة:التعبير عن العذاب بأنه أنباء ما كانوا به يستهزؤون والنبأ هو الخبر العظيم وقد وضح ذلك الزمخشري في الكشاف فقال:فسوف تأتيهم أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزؤون وهو القرآن أي اخباره وأحواله بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزءوا وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء وذلك إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته .