( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ 74 وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ 75فَلَمَّا جن عليه اليل رءاكوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لااحب الافلين76فلما رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 79 )
كان الكلام في الآيات السابقات في الأصنام وأنها لا تنفع ولا تضر ، وإنها لا تملك من أمر نفسها شيئا حتى تملك من أمر غيرها ممن يدعونها واقعين تحت أوهام تضافرت وتكاثرت عليها السنون حتى صارت كأنها حقائق في زعمهم وقد ذكر الله سبحانه وتعالى كيف أنكرها ابو العرب الذي يعتزون بنسبهم اليه ، وأنه عدها ضلالا مبينا وخاطب بذلك اباه مستنكرا ورؤية الحقائق بارزة من لسان شخص يكون أشد أثرا وأنقى فكرا وابعث على الاعتبار .
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ) .
( إذ ) ظرف للزمان والمعنى اذكر لهم ما كان في الماضي من موقف أبيهم إبراهيم -عليه السلام- من الأصنام اذ قال لابيه الذي كان يحبه ويؤثره مستنكرا ما كان منه من عبادة:أتتخذ أصناما آلهة ؟ وهو استفهام إنكاري للتوبيخ ولم يمنعه مقام الأب من أن يوبخه على عظيم ما يرتكب مستنكرا فعله:أتتخذ أصناما مصنوعة صنعتها أنت وأمثالك أتتخذها آلهة تعبد أي أتتخذ صناعتك آلهة معبودة إن ذلك ضلالا مبينا تصنعه الأوهام في العقول حتى تجعل غير المعقول اعتقادا ولذا قال لأبيه الذي كان يحبه:( اني أراك وقومك ) إني أراك مع قومك ( في ضلال مبين ) أي بين واضح والتعبير باسم الفاعل ( مبين ) للمبالغة في وضوح الضلال أي الضلال مبين لنفسه موضح لها ، إذ كيف تصنع بيديك حجرا ثم تعبده ، هذا إجمال كلامه لأبيه ، ولقد فصل الله سبحانه وتعالى مقالته لأبيه في آية أخرى ، فقال تعالى حكاية للمجاوبة التي كانت بينهما:( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا 42يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا 43يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا 44يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا 45قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا 46قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا 47وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا 48 ) مريم ) .
اعتزل قومه وأباه وكان في بلد يعبد أهله النجوم ولهم علم بها فانصرف إلى تعرف حال النجوم التي يقدسونها ويجاريهم في تقديسها حتى تبين له ولهم أنها غير جديرة بالتقديس والربوبية لأنها متغيرة وتأفل وتختفي ثم تظهر ، وذلك ليس شأن الإله الخالق المنشئ المبدع .