/م74
{ وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} هذه الجملة معطوفة على جملة « قل أندعو من دون الله » وما في حيزها ( وهو آخر حجاج للمشركين في العقائد مبدوء بالأمر القولي .وسيعاد هذا الأسلوب في السورة حجاجا في الأحكام العلمية أيضا ) والظرف فيها متعلق بفعل عهد حذفه تقديره اذكر ، أي واذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين لقناك ما تقدم من الحجج على بطلان شركهم ، وضلالهم في عبادة ما لا يضرهم ولا ينفعهم ، ومن بيان هدى الله تعالى والإسلام له – اذكر لهم عقب هذا – قصة إبراهيم جدهم الذي يجلونه ويدعون اتباع ملته حين قال لأبيه آزر منكرا عليه وعلى قومه شركهم:أتتخذ أصناما آلهة تعبدها من دون الله الذي خلقك وخلقها ، وهو المستحق للعبادة من دونها ؟
{ إني أراك وقومك في ضلال مبين ( 74 )} الضلال العدول عن الطريق الموصل إلى الغاية التي يطلبها العاقل من سيره الحسي أو المعنوي .وغاية الدين تزكية النفس بمعرفة الله وعبادته وما شرعه من الأعمال والآداب للفوز بسعادة الدارين ، وعبادة غير الله تعالى ولو بقصد التقرب إليه مدس للنفس مفسد لها فلا يوصلها إلا إلى الهلاك الأبدي ، والتعبير عنها بالضلال ليس فيه سب ولا جفاء ولا غلظة كما زعم من استشكله من الولد للوالد وقابله بأمر الله تعالى لموسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا .وأجاب عنه بأنه حسن للمصلحة كالشدة في تربية الأولاد أحيانا ، ومن استدل به على أن آزر كان عم إبراهيم لا والده .فالصواب أن التعبير بالضلال البين هنا بيان للواقع باللفظ الذي يدل عليه لغة كقوله تعالى:{ ووجدك ضالا فهدى} [ الضحى:7] وكقولك لمن تراه منحرفا عن الطريق الحسي:إن الطريق من هنا فأنت حائد أو ضال عنه .
ومعنى قول إبراهيم لأبيه:إني أراك وقومك الذين يعبدون هذه الأصنام مثلك في ضلال عن صراط الحق المستقيم بين ظاهر لا شبهة فيه ، فإن هذه الأصنام التي اتخذتموها آلهة لكم ، لم تكن آلهة في أنفسها بل باتخاذكم وجعلكم ، ولستم من خلقها وصنعها بل هي من صنعكم ، ولا تقدر على نفعكم ولا ضركم ، وذلك أنها تماثيل تنحتونها من الحجارة أو تقتطعونها من الخشب أو تصوغونها من المعدن فأنتم أفضل منها ، ومساوون في أصل الخلقة لمن جعلت ممثلة لهم من الناس ، أو لما صنعت مذكرة به من النيرات ، ولا يليق بالإنسان أن يعبد ما دونه ولا ما هو مساو له في كونه مخلوقا مقهورا بتصرف الخالق ، ومربوبا فقيرا محتاجا إلى الرب الغني القادر .وقد دلت آثار أولئك القوم التي اكتشفت في العراق على صحة ما عرف في التاريخ من عبادتهم للأصنام الكثيرة حتى كان يكون لكل منهم صنم خاص به سواء الملوك والسوقة في ذلك ، وكانوا يعبدون الفلك ونيراته عامة ، والدراري السبع خاصة ، كما يعلم من قوله تعالى:{ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}