هذا ، وإننا نرى آل فرعون وسكان مصر ، لم يدفعوا طغيانه ، وإن الله تعالى لا يأخذ العامة بظلم الخاصة إلا إذا رأوا الظلم ولم ينكروه ، والمصريون لم ينكروا فعل فرعون ؛ ولذا عاقبهم الله تعالى بعقوبات دنيوية مختلفة ، فقال الله تعالى في ذلك:
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ( 130 ) فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( 131 ) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ( 132 ) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ( 133 ) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ ( 134 ) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( 135 ) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ( 136 )
إن المصريين شاركوا فرعون فيما أوقع من مظالم ومآثم ببني إسرائيل ؛ لأنهم رأوا الظلم ولم ينكروه ، فكانوا مسئولين ، وما استمكن فرعون منهم ومن بني إسرائيل إلا بهم ، لأنهم لم يقولوا:ظلمت .
ولذا قال الله تعالى:
{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات} .
وآل فرعون هنا ليسوا حاشيته ولا خاصته إنما هم أهل مصر جميعا ؛ لأنهم أيدوه ، ولو بالرضا ، أو على الأقل بالصمت من غير نكير ، والدليل على أنه أريد أهل مصر جميعا ، أن السنين ونقص الثمرات لم يكن خاصا بفرعون وحاشيته ؛ لأنه بلاء إذا جاءهم يعم ولا يخص ، وقوله تعالى:{ ولقد أخذنا فرعون} ، أي آل مصر الذين هم آل فرعون ، ومن يقوم بهم وبالحكم فيهم ، وأخذناهم معناه اختبرناهم بالسنين ، أي بالجدب والقحط ، فيقال:أصبت بالسنة ، أي بالجدب ، والنقص والجوع . وقد أصابهم الله بسنين جدب وقحط ، ونقص من الثمرات ، ويقال:أخذنا فلانا بالرفق والإكرام ، وأخذناه باللوم ، والتأنيب بمعنى عاملنا ، وتأويل القول أخذناه وضممناه معاملين له بالرفق أو معاملين له باللوم أو التأنيب .
فأخذ الله آل فرعون معاملا بالسنين بحدبة تصيبهم ، ونقص الثمرات ، يختبرهم سبحانه بذلك لعلهم يذكرون ، أي لعلهم يتذكرون أن هناك مدبرا غير فرعون ، وأن الأمر ليس بإرادتهم ولا بإرادة فرعون ، إنما هو بإرادة من خلق فرعون ، وخلق الزرع والثمار ، وأنشأها جنات معروشات ، وغير معروشات ولكنهم لم يتذكروا لفنائهم في فرعون وملئه ، وكذلك أهل فرعون دائما ، لا ينفصلون في نفوسهم عن حكامهم ، وإن كانت قوتهم عليهم ، يقودون إلى النكسات نكسة بعد نكسة ، وهم من ورائهم راضون راغبون فيهم على سوءاتهم غير راغبين عنهم .