/م130
وفي أوّل آية من الآيتين الحاضرتين إشارة إلى نفس هذا المطلب في قصّة فرعون ،إذ يقول تعالى: ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلّهم يذكّرون ) .
و«السنين » جمع «سنة » بمعنى العام ،ولكنّها إذا قرنت بلفظة «أخذ » أعطت معنى الابتلاء بالقحط والجدب ،وعلى هذا يكون معنى أخذته السنة هو: أُصيب بالقحط والجدب ،ولعل علّة ذلك هي أن أعوام القحط والجدب قليلة بالقياس إلى أعوام الخصب والخير ،وعلى هذا إذا كان المراد من السنة السنين العادية لم يكن ذلك موضوعاً جديداً ،ويتبيّن من ذلك أنّ المراد من السنين هي السنين الاستثنائية ،أي سنوات القحط وأعوام الجدب .
وكلمة «آل » كانت في الأصل «أهل » ثمّ قلبت فصارت هكذا ،والأهل بمعنى أقرباء الإنسان وخاصته ،سواء أقرباؤه أو زملاؤه ونظراؤه في المسلك والتفكير وأعوانه .
ومع أنّ القحط والجدب أصابا حاشية فرعون ومؤيديه أجمع ،ولكن الخطاب فى الآية موجه إلى خصوص أقربائه وخاصته ،وهو إشارة إلى أن المهم هو أن يستيقظ هؤلاء ،لأنّ بيدهم أزمة الناس .....أن يضلوا الناس ،أو يهدونهم ،ولهذا توجه الخطاب إليهم فقط ،وإن كان البلاء قد أصاب الآخرين أيضاً .
ويجب أن لا نستبعِد هذه النقطة ،وهي أن الجدب كان يعدّ بلاءً عظيماً لمصر ،لأنّ مصر كانت بلداً زراعياً ،فكان الجدب مؤذياً لجميع الطبقات ،ولكن من المسلّم أنّ آل فرعونوهم الأصحاب الأصليين للأراضي الزراعية وإنتاجهاكانوا أكثر تضرراً بهذا البلاء .
ثمّ إنّه يُعلَم من الآية الحاضرة أنّ الجدب استمر عدّة سنوات ،لأنّ كلمة «سنين » صيغة جمع ،وخاصّة أنّه أُضيف إليها عبارة ( نقص من الثمرات ) لأنّ الجدب المؤقت والعابر يمكن أن يترك شيئاً من الأثر في الأشجار ولكن عندما يكون الجدب طويلا فإنّه يبيد الأشجار أيضاً .ويحتمل أيضاً أنّه علاوة على الجدب فانّ الفواكه والثمار أصيبت بآفات قاتلة كذلك .
وكأنّ جملة ( لعلَّهم يذكرون ) إشارة إلى هذه النقطة ،وهي: أنّ التوجه إلى حقيقة التوحيد موجودة من البداية في الروح الآدمية ،ولكنّه على أثر التربية غير الصحيحة أو بطر النعمة ينساها الإنسان ،وعند حلول البلايا والأزمات يتذكر ذلك مجدداً ،ومادة «تذكر » تناسب هذا المعنى .
هذا والجدير بالانتباه أنّ جملة ( لعلّهم يضرّعون ) جاءت في ذيل الآية ( 94 ) وهي مقدمة أُخرىفي الحقيقةلأنّ الإنسان يتذكر أوّلا ،ثمّ يخضع ويسلّم ،أو يطلب من الله الصفح والمغفرة .