/م130
{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقص من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون} صدرت الجملة بالقسم الدالة عليه لامه لتأكيد مضمونها وتعظيم شأنه وكيف لا وهو من أظهر آياته سبحانه على تأييد رسله وقدرته على الادلة للمظلومين المستضعفين من الأقوياء الظالمين .وقد كثر استعمال مادة"الأخذ "في العذاب وما في معناه كقوله تعالى:{ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد} [ هود:102]{ فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر} [ القمر:42]{ فأخذناه أخذا وبيلا} [ المزمل:16] ( يعني فرعون موسى ){ فأخذناهم أخذة رابية} [ الحاقة:10] وآل فرعون قومه كما أطلقه المفسرون ، أو خاصته وأعوانه في أمور الدولة وهم الملأ من قومه الذين كثر ذكرهم في قصته ، ووجهه أنهم هم المذنبون المعاندون لموسى وإنما وقوع العذاب على غيرهم بالتبع لهم لأنهم كانوا موافقين ومقرين لهم على ظلمهم وقد قال تعالى:{ واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة} [ الأنفال:25] وهذه سنة من سنن الاجتماع العامة وسيأتي توجيه القول الأول .
وأصل اللغة أن آل الرجل أهل بيته وأقاربه الذين يضافون إلى اسمه ، وهو لا يضاف إلا إلى أعلام شرفاء قومهم وكبرائهم كالأنبياء والملوك والرؤساء ثم أطلق على أهل الاختصاص بهم أو جميع أتباعهم ، ومن هنا قال بعض العلماء أن آل النبي صلى الله عليه وسلم يطلق على جميع أتباعه وإن هذا هو المراد بالصلاة على آل النبي في التشهد وغيره .قال الراغب:الآل قيل مقلوب عن الأهل ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل يقال آل الله وآل السلطان ، والأهل يضاف إلى الكل يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا .
وقيل هو في الأصل اسم الشخص ويصغر أويلا ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة قال عز وجل:{ وآل إبراهيم وآل عمران} [ آل عمران:33] وقال:{ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [ غافر:46] قيل وآل النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم{[1233]} على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمة له وليس كل أمة له آله .
وقيل لجعفر الصادق رضي الله عنه:الناس يقولون المسلمون كلهم آل النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال كذبوا وصدقوا ، فقيل ما معنى ذلك ؟ فقال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله .وقوله تعالى:{ رجل مؤمن من آل فرعون} [ غافر:28] أي من المختصين به وبشريعته وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن أو من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم اه .
بعد هذا نقول إن"آل فرعون "أطلق في القرآن على آل بيته خاصة في موضع واحد لا يحتمل غيرهم وفي موضع آخر محتمل لغيرهم فالأول قوله تعالى:{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [ القصص:8] والثاني قوله "{ وقال رجل مؤمن من آل فرعون} [ غافر:28] وأطلق كثيرا بمعنى ملئه وخاصة أتباعه أو جملتهم كقوله:{ وأغرقنا آل فرعون} [ البقرة:50]{ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [ غافر:46]{ وإذ نجيناكم من آل فرعون} [ البقرة:49]{ وحاق بآل فرعون سوء العذاب} [ غافر:45]{ ولقد جاء آل فرعون النذر} [ القمر:41] كذلك كثر ذكر ملأ فرعون في إرسال موسى إليهم وما دار بين فرعون وبينه وهم أشراف قومه ورجال دولته كما تقدم ولولا أن ورد ذكر قومه في بعض الآيات لحملنا الآل في الآية التي نحن بصدد تفسيرها وفي أمثالها عليهم دون سائر قومه فقد قال تعالى في أول قصة موسى من سورة الشعراء:{ وإذ نادى ربّك موسى أن ائت القوم الظّالمين} [ الشعراء:10]{ قوم فرعون ألا يتّقون} [ الشعراء:11] وقال في سورة الدخان{ ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم} [ الدخان:17] الخ .
ومن الواضح أن عامة قوم فرعون ينالهم من عذاب الأخذ بالسنين ونقص الثمرات ما لا ينال فرعون وأهل بيته وخاصة ملئه فالمراد بآله قومه وهم أهل مصر في عهده ، وهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه لأن قوته المالية والجندية منهم ، وقد خلقهم الله أحرارا وكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة فكان حقا عليهم أن لا يقبلوا استعباده لهم وجعلهم آلة لطغيانه وإرضاء كبريائه وشهواته ولاسيما بعد بعثة موسى ووصول دعوته إليهم ورؤيتهم لما أيده الله به من الآيات .
وأما السنون فهي جمع سنة وهي بمعنى الحول ولكن أكثر ما تستعمل في الحول الذي فيه الجدب كما قال الراغب وغيره أي إلا إذا ذكرت في مقام العدد والإحصاء .والأخذ بالسنين صريح في إرادة العقاب بالجدب والضيق ويؤيده نقص الثمرات ، وهل يدخل نقص الثمرات في عموم المراد من السنين أم هي خاصة بنقص الغلال التي عليها مدار الأوقات دون الفاكهة التي لا تكفي للقوت وإن كان منها النخيل والأعناب ؟ وجهان .ونقص الثمرات نص على شدة الضيق في كل حال ، وهذا إجمال يفسره قوله تعالى:{ فأرسلنا عليهم الطوفان} [ الأعراف:133] وما هو ببعيد .
وجملة معنى الآية أنه تعالى أخذ آل فرعون بالجدب وضيق المعيشة لعلهم يتذكرون ضعفهم أمام قوة الله وعجز ملكهم الجبار المتغطرس وعجز آلهتهم ولعلهم إذا تذكروا اعتبروا واتعظوا فرجعوا عن ظلمهم لبني إسرائيل وأجابوا دعوة موسى عليه السلام ، فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب وتهذب الطباع وتوجه الأنفس إلى مرضاة رب العالمين والتضرع له دون غيره من المعبودات التي اتخذت في الأصل وسائل إليه وشفعاء عنده ، ثم صار ينسى في وقت الرخاء لأنه غيب لا يرى ، وتذكر هي لأنها مشاهدة مجانسة لعابديها ، بل هي أو أكثرها دونهم لو كانوا يعقلون ، فإذا بلغ الشرك من الناس أن ينسوا الله تعالى حتى في أوقات الشدائد فذلك هو الضلال البعيد .