/م130
كذلك كان دأب آل فرعون بعد إنذار موسى إياهم{ فإذا جاءتهم الحسنة} من خصب ورخاء وهو الغالب{ قالوا لنا هذه} دون غيرنا ونحن المستحقون لها بما لنا من التفوق على الناس{ وإن تصبهم سيئة يطّيّروا بموسى ومن معه} أي وإن اتفق إن أصابتهم سيئة أي حالة تسوءهم كجدب أو جائحة أو مصيبة أخرى في الأبدان أو الأرزاق تشاءموا بموسى ومن معه من الأنصار كأخيه هارون أو جميع قومه ويرون أنهم إنما أصيبوا بشؤمه وشؤمهم ، ويغفلون عن سيئات أنفسهم وظلمهم لقوم موسى لأن هذا عندهم من الحقوق ، كما هو شأن الإفرنج في ظلمهم لمن يستضعفونهم من أهل الشرق .
أصل يطيروا يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء وسبب استعمال التطير بمعنى التشاؤم أن العرب كانت تتوقع الخير والشر مما تراه من حركة الطير حتى أنها تزجرها إذا لم تمر من تلقاء نفسها فإذا طارت من جهة اليمين تيمنت أي رجت وقوع اليمن والبركة والخير –وإذا طارت من جهة الشمال تشاءمت وتوقعت الشر والمصيبة ، ويسمى الطائر الأول السانح والآخر البارح ، ثم إنهم سموا الشؤم طيرا وطائرا والتشاؤم تطيرا ، ولذلك قال تعالى في رد خرافتهم:
{ ألا إنّما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} ابتدأ الرد عليهم بأداة الافتتاح"ألا "للاهتمام به إذ المراد بها توجيه ذهن القارئ لما يلقى بعدها حتى لا يفوته شيء منه ، أي ألا فليعلموا أن الشؤم الذي نسبوه إلى موسى وعدوه من آثار وجوده فيهم هو عند الله تعالى لا عند موسى ومن معه ، فهو تعالى قد جعل لكل شيء قدرا من حسنة وسيئة بمعنى أنه وضع لنظام الكون سننا تكون فيها المسببات على قدر الأسباب ، ولكل منها حكم ، فبمقتضى هذه السنن والأقدار ينزل البلاء عليهم ، وهو امتحان واختبار لهم بما يسوءهم ، ليتوبوا ويرجعوا عن ظلمهم وبغيهم على بني إسرائيل وطغيانهم وإسرافهم في كل أمورهم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون حكم التصرف الرباني في الخلق ولا أسباب الخير والشر الصورية ولا المعنوية وكون كل شيء في هذا الكون بمشيئته تعالى وتدبيره .
وفي الآية من نكت البلاغة أنه عبر عن مجيء الحسنة بإذا الدالة على تحقق الوقوع وعرّفها لإفادة أنها الأصل الثابت الغالب بغلبة رحمة الله وفضله على سخطه وعقابه ، وعبر بإصابة السيئة بإن التي هي أداة الشك – أي إن شرطها إما مشكوك في وقوعه وإما منزل منزلة المشكوك فيه لندرته أو لسبب آخر –ونكر السيئة لإفادة أن وقوعها قليل وخلاف الأصل الغالب .وأفاد بالتعبيرين أن القوم لم يتربوا بالحسنات ولا بالسيئات ، وأن الحسنة على عظمتها وكثرتها ما زادتهم إلا غرورا بحالهم ، وتماديا في ظلمهم وإصرارا على بغيهم ، وأن السيئة لم تفدهم عظة ولا عبرة ولم تحدث لهم توبة .