المفردات:
الحسنة: كل خير والأقرب هنا هي السعة والخصب .
سيئة: السيئة كل ما يسوء والأقرب هنا الجدب والقحط .
يطيروا: يتشاءموا .
طائركم: يطلق الطائر على الحظ والنصيب والعمل والرزق .
التفسير:
{131 – فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ...}
أي: فإذا جاءهم ما يستحسنونه من الخصب والسعة والرخاء ،قالوا بغرور وصلف: ما جاء هذا الخير إلا من أجلنا ؛لأننا أهل له ،ونحن مستحقون له بكدنا واجتهادنا وامتيازنا على غيرنا ،ناسين فضل الله عليهم ،ولطفه لهم غافلين من شكره على نعائمه .
{وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} .
أي: وإن اتفق أن أصابتهم سيئة ،أي حالة تسوؤهم كالجدب والقحط أو مصيبة في الأبدان أو الأرزاق ،تشاءموا بموسى ومن معه من أتباعه ،ونسبوا ذلك إليهم ،وقالوا: ما حلت بنا الكوارث وما أصابتنا النوازل إلا بشؤم موسى ومن معه ولو لم يكونوا معنا لما أصبنا ،وذلك لقسوة قلوبهم وتركهم التدبر في الآيات والنذر .
"والتطير: هو التشاؤم على عادة العرب من زجر الطير فكانوا إذا أطلقوا طائرا فطار إلى اليمين تيامنوا به واستبشروا وسموه( سانحا ) ،وإذا طار إلى اليسار تشاءموا به وسمّوه( بارحا ) "14 .
وقد نهى الإسلام عن التطير والتشاؤم وأباح التفاؤل والاستبشار .
روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا سفر .وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد )15 .
وفي الحديث:"لا طيرة وخيرها الفأل "قالوا: وما الفأل يا رسول الله ؟قال:"الكلمة الطيبة يسمعها أحدكم "16 .
والأحاديث تنهي عن التشاؤم ؛لأنه يضعف الهمة والعزيمة ،ويجعل الإنسان يتوقع المصائب ،فإذا رأى الإنسان ما يتشاءم منه قال:"اللهم ؛لا يأتي بالخير إلا أنت ولا يذهب السوء إلا أنت ،اللهم اكفني السوء بما شئت وكيف أنك على ما تشاء قدير "17 ،ثم مضى في طرقه ولا يترك عمله .
وهذا معنى الحديث لشريف:"لا طيرة ".
أي: لا تتشاءم ولا تترك أي عمل واستعذ بالله من السوء ،ثم توكل على الله .
لكن هناك الفأل الحسن ،وهو أن تسمع كلمة تتفاءل بها .
كان تذهب إلى مهمة أو مصلحة فتسمع من يقول: ناجح أو فالح أو رابح أو منتصر .
فيباح لك أن تتفاءل وتستبشر وتتوقع خيرا من ذلك العمل إن شاء الله .
ألا إنما طائرهم عند الله .
أي: إن ما ينزل بهم من خير أو شر ،وما يحل بهم من بلاء أو عافية هو من عند الله ،وأن ليس لموسى ولا لقومه شيء في هذا الأمر كله .
وكل من الشر والخير ابتلاء من الله لعباده ،قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة . ( الأنبياء: 35 )
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} .
أي: ولكن أكثر هؤلاء الطغاة الجبارين جهلاء ،لا يعلمون أن ما حل بهم من الشدائد والنوازل ،ما هو إلا بلاء من الله وحده ،بسبب ذنوبهم واستعلائهم في الأرض بغير الحق ،ليزدجروا ،لا بسبب موسى ومن معه ،وما أصابهم من الخير ما هو إلا فتنة لعلهم يتذكرون ويشكرون ،لكنهم يجهلون حكمة تصرف الخالق في هذا الكون ،ويجهلون أسباب الخير والشر ،ويجهلون أن كل شيء في الكون بمشيئة الله وتدبيره .