ثم بين- سبحانه- أن آل فرعون لم يعتبروا بهذا الأخذ والامتحان، وإنما ازدادوا تمردا وكفرا فقال:فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا:لَنا هذِهِ.
أى:فإذا جاءهم ما يستحسنونه من الخصب والسعة والرخاء، قالوا بغرور وصلف:
ما جاء هذا الخير إلا من أجلنا لأننا أهل له، ونحن مستحقوه وبكدنا واجتهادنا وامتيازنا على غيرنا ناسين فضل الله عليهم، ولطفه بهم، غافلين عن شكره على نعمائه.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أى:وإن اتفق أن أصابتهم سيئة أى:حالة تسؤهم كجدب أو قحط أو مصيبة في الأبدان أو الأرزاق، تشاءموا بموسى ومن معه من أتباعه، وقالوا:ما أصابنا ما أصابنا إلا بشؤمهم ونحسهم، ولو لم يكونوا معنا لما أصبنا.
وأصل يَطَّيَّرُوا يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها. والتطير التشاؤم والأصل في إطلاق التطير على التشاؤم:أن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو ما طار إلى الجهة اليسرى، وتتيامن بالسانح وهو ما طار إلى الجهة اليمنى. ومنه سموا الشؤم طيرا وطائرا، والتشاؤم تطيرا. وقد يطلق الطائر على الحظ والنصيب خيرا كان أو شرا، ولكنه غالب في الشر.
وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق- وهي إذا- لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات، لأن العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة وعموم النعمة قبل حصول الأعمال.
ونكر السيئة وذكرها بأداة الشك- وهي إن- لندورها وعدم تعلق الإرادة بإحداثها إلا بالتبع، فإن النقمة بمقتضى تلك العناية إنما تستحق بسبب الأعمال السيئة.
وقوله- تعالى- أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ استئناف مسوق للرد على خرافاتهم وأباطيلهم. وصدر بلفظ «ألا» الذي يفيد التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمون هذا الخبر.
أى:إنما سبب شؤمهم هو أعمالهم السيئة المكتوبة لهم عند الله، فهي التي ساقت إليهم ما يسوءهم وليس لموسى ولا لمن معه أى تدخل في ذلك. ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة، فيقولون ما يقولون مما تمليه عليهم أهواؤهم وجهالاتهم.
وفي إسناد عدم العلم إلى أكثرهم، إشعار بأن قلة منهم تعلم ذلك، ولكنها لا تعمل بمقتضى علمها.
هذا، وقد أفادت الآية الكريمة أن القوم لم يتأثروا لا بالرخاء ولا بالشدائد. الرخاء العظيم، والخصب الواسع زادهم غرورا وبطرا، والشدائد والمحن جعلتهم ينسبون أسبابها إلى غيرهم دون أن يتوبوا إلى الله من ذنوبهم. مع أن الشدائد- كما يقول صاحب الكشاف- تجعل الناس «أضرع خدودا وألين أعطافا، وأرق أفئدة» .