وكانت معاملتهم لموسى الهادي الرشيد ، معاملة غير رفيقة يحملونه إثم ما ينزل بهم من شر ، وما ينزل بهم من حسن يحسبونه إستحقاقا لهم ؛ ولذا قال الله تعالى فيهم:{ إِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( 131 )} .
{ الحسنة} هي الحال الحسنة التي يستحسنونها ، ويستطيعونها ، ويرون فيها مسرة لهم ، لم يذكروا أنها من عند الله تعالى ؛ أفاض بها عليهم من عنده ، إنما يحسبون أنها جاءتهم لأنها لهم ويستحقونها وجاءتهم من غير معط ؛ ولذا وصفهم الله تعالى بقوله:{ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه} ، أي لنا نستحقها ، ولا يتصورون معطيا يستحق الشكر ، والطاعة ، والرضا بما أعطى ، وإذا جاءتهم السيئة ، أي الأمر السيء لهم من قحط وجدب وطوفان اطيروا بموسى ومن معه أي تشائموا .
وأصل الطيرة في الاستعمال العربي أنهم كانوا يزعجون الطير ، فإذا اتجه إلى اليمين تيمنوا به وسموه السانح ، وإذا اتجه إلى الشمال تشاءموا به وقالوا البارح .
ولقد جاء في تفسير القرطبي ما يتعلق بالتطير ( وكانوا يتطيرون أيضا بصوت الغراب ، ويتأولونه البين ، وكانوا يستدلون بمجاوبات الطيور بعضها بعضا على أمور وبأصواتها في غير أوقاتها المعهودة على مثل ذلك ، وهكذا الظباء إذا مضت سانحة أو بارحة ، ويقولون:إذا برحت بالسانح بدل البارح ، إلا أن أقوى ما عندهم كان يقع في جميع الطير فسموا الجميع تطيرا من هذا الوجه ، وتطير الأعاجم إذا رأوا صبيا يذهب به إلى المعلم بالغداة ، ويتيمنون برؤية صبي يرجع من عند المعلم إلى بيته ، ويتشاءمون برؤية السقاة على ظهره قربة مملوءة مشدودة ، ويتيمنون برؤية فارغ السقاء ( مركبة ) مفتوحة ) . وهكذا كما جاء في ذلك التفسير ، وعلى أي حال التطير في اللغة العربية التشاؤم .
وإن المصريين قد قالوا هذا المعنى مواجهين موسى – عليه السلام – وعبر عنه بذلك التعبير العربي ، وكأنه ترجمة لتعبيرهم في لغتهم .
ولقد أجابهم بقوله كما حكى القرآن الكريم:{ إنما طائرهم عند الله} ، أي إن ذلك قضاء الله تعالى وقدره فيكم . وعبر عنه بطائركم تشبيها للقدر المحتوم بالطائر المشئوم ؛ لأنه في معناه لاحق بهم ، فإن تعدوه شؤما فهو من سوء عملكم ، وختم الآية بقوله تعالى:{ ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي لا يعلمون أن كل شيء عند ربك بمقدار ، فيتشاءمون ؛ ولذا نفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطيرة ، وقال:( لا عدوى ولا طيرة ) ( 1 ){[1127]} أي لا عدوى إلا بإذن الله تعالى العلي القدير .