ولعلهم كانوا في ذلك صادقين أنفسهم ، لوقع الرجز عليهم ، ولإحساسهم بالضعف أمام جبروت الله تعالى الذي تخاذل أمامه جبروت فرعون ، وطغيانه ، ولكن الحق لم يصب قلوبهم ، وليس لهم إذعان صادق ، بل هو عارض عرض لهم ، ولم يكونوا مؤمنين . وما هؤلاء الذين طلبوا من موسى ذلك الدعاء يظهر أنهم الكبراء والسادة من ملأ فرعون ، ولعلهم كان معهم ، أو طلبوه بأمره بدليل أنهم وعدوا موسى بأن يرسلوا معه بني إسرائيل ، فما كان يملك ذلك إلا فرعون وقادته وملؤه ، والكبراء ، معه ومع هذا القسم الذي أقسموه ، ما وفوا ، ولذا قال سبحانه وتعالى:
{ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( 135 )} .
الفاء للإفصاح عن شرط مقدر تقديره إذا كانوا قد أقسموا ذلك القسم فقد نكثوا ، فلما كشفنا عنهم الرجز إذا هم ينكثون فلا يؤمنون ، ولا يرسلون بني إسرائيل ، والتعبير عن زوال الرجز ب{ كشفنا} تشبيه له بالغمة التي تغم عليهم ، وتكشف .
وقوله تعالى:{ إلى أجل هم بالغوه} إشارة إلى أنه سينزل بهم ما هو أشد ، فالإزالة للرجز لم تكن دائمة ، بل هي إلى أجل محدود ، فإن الله خبأ لهم في قدره مال هو أشد وأقوى ، وهو إغراقهم في البحر ؛ ولذا قال تعالى:{ فانتقمنا منهم}