ذهب موسى – كليم الله تعالى – إلى الجبل في الميقات الذي وقته الله تعالى ، وقيل:إنه ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، والله أعلم بالميقات .
قال تعالى:{ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} استأنس كليم الله بربه وطمع الكليم في أن يرى حبيبه{ قال رب أنظر إليك} ، أي افتح بصري بالرؤية لأنظر إليك ، أو تبين لي أنظر إليك .
قال الله الذي كلم موسى ، وحسب موسى أن الرؤية كالكلام ، وإن كان الكلام من وراء حجاب ، وقد شجعه على طلب الرؤية أنه سمع الكلام ، ومن سمع الكلام الجميل الجليل طمع في رؤية من يكلمه .
قال الله - تعالى – له:{ لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} .
لن للنفي ، المؤكد ، وقال الزمخشري:إنها للنفي المؤبد ، أي لن تراني أبدا ، وهذا على مذهبه من أن رؤية الله تعالى غير ممكنة ، ونحن إذا قلنا:إنها لتأبيد النفي ، فإن ذلك موضوعه في الدنيا ، أما في الآخرة ، فأمرها عند علم الله وهو العليم بما فيها ، والحياة فيها غير الحياة في الدنيا ، وما يكون مستحيلا في الدنيا ، أو ما يرى كذلك لا يكون مستحيلا في الآخرة والله بكل شيء عليم ، وفسر بعضهم قوله تعالى:{ لن تراني} ، أي لن تستطيع رؤيتي .
وقد استدل الجماعة على أن رؤية الله ممكنة وإلا ما طلبها موسى ، وقد علقها الله تعالى على استقرار الجبل وهو أمر ممكن فهي ممكنة .
ولنترك الأقوال في ذلك ، فليس القرآن موضع جدل ، وهو منزه عن ذلك ، وفوق جدال المتجادلين .
قال تعالى:{ لن تراني} وقد علمت قول الناس في ذلك ، ثم كان الاستدراك تلطف لموسى ، وتقريب له لمعنى الاستطاعة ، فقال:{ ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} ، والجبل أقوى وأشد وأضخم من موسى فإن استقر حين تجلى الله وبزوغ النور الإلهي فسوف تراني ، ولكنه إن لم يستقر فإنك لن تراني .
{ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} أي فلما ظهر نور الله على الجبل متجليا له{ جعله دكا} ، أي مستويا بالأرض ، وكان لذلك ما يثير الفزع في نفس موسى{ وخر موسى صعقا} ، كأنما أصابته صاعقة ، وغشى ،{ فلما أفاق} أحس بأنه طلب ما ليس له ، وهو ما فوق طاقته البشرية ، وما لا يتحقق في الدنيا – استغفر ربه ، وسبحه ، فقال:{ سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} .
تاب موسى من هذا الطلب الذي تبين له أن الله لا يجيبه في الدنيا ، وما كان ذلك خطيئة ارتكبها ، ولكنه خطأ لا ذنب ، ولكن النفس المؤمنة التي تحس تستكثر خطأها ، وتستقل صوابها ، أحس أنه ذنب يتاب منه ، وما هو بذنب ، وكذلك استتابة المرسلين تكون من أخطاء تغتفر ، بل لا حساب عليها ، ولكن يعظم أمرها في نفوسهم فيتوبون .
وأكد عليه -السلام – استغفاره ، وكمال إيمانه فقال:{ وأنا أول المؤمنين} ، أي ببعدك عن الشبيه ، وأنك منزه عن كل نقص ، وأول المؤمنين بأنك لا ترى في هذه الدنيا .