{ وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}
إذا كان عصاة بني إسرائيل قد استهانوا بأحكام التوراة ، معرضين عنها إهمالا ، فتقاتهم قد استمسكوا بها ؛ لأنها العروة الوثقى لهم ، وقال تعالى في استمساكهم بها:{ والذين يمسكون بالكتاب} وفي قراءة ( يمسكون ) بتسكين اللام وكسر السين ، وقالوا إن معنى يمسكون به:يستمسكون به ، وفي اللغة:مسك به واستمسك به ، وتمسك به كل بمعنى واحد .
وأقول مع الاتحاد في جملة المعنى أظن أن مسك به فيه قوة في التمسك ، ليست في مسك به ، بل أكثر من استمسك ؛ لأنها تتضمن الأخذ به ، والعمل بما في والإذعان لأحكامه من غير إهمال ولا نسيان ، ودعوة إلى مسكه والعمل به من دون غيره ، واستنكار لمن لا يمسك به .
ومعنى التمسك به ، الإذعان لأحكامه ، والدعوة لهذا الإذعان ، والعمل به مخلصين غير متحايلين لتركه ، وإلقاء المعاذير عند ترك العمل به .
والتمسك به كما ذكرنا يتضمن معنى الدعوة إلى الاستمساك ، وبالأولى يستمسك الممسك فيعتقد ، ويؤمن ويدعو .
وقد ذكر أعظم أعمال الطاعة بعد التمسك بالكتاب ، فقال:{ وأقاموا الصلاة} أي أتوا بها مقومة على وجهها الأكمل ، وتكون الصلاة على الوجهة الأكمل إذا كان ذكر الله ، واستشعار خشيته في كل ركن من أركانها ، واختصها الله تعالى بالذكر ؛ لأنها ركن الدين ، ولبه ، ولا دين من غير صلاة كما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولأنها سبيل للابتعاد عن المنكرات التي كان بنو إسرائيل يفعلونها ، وقد قال تعالى في القرآن كتابه الخالد الباقي إلى يوم القيامة:{. . . . . . . . . . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . . . . . . . . . . . . . ( 45 )} ( العنكبوت ) .
وقد ذكر الله تعالى جزاء هؤلاء الذين يمسكون بالكتاب ، فقال:{ إنا لا نضيع أجر المصلحين} والمعنى لا نضيع أجرهم .
ولكن هنا إشارات بيانية لا بد من التنبيه إليها:
الأولى – أن الله تعالى ذكر الجزاء بطريق الاقتضاء ، فوصف ذاته العلية بأنه لا يضيع أجر المصلحين ، وقد أصلحوا فاستحقوا أجره الذي لا يضيعه أبدا ، فهو إعطاء مع ذكر داعيه .
الثانية – أنه ذكر سبحانه – ما يليق بذاته وهو أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا .
الثالثة – أنه أظهر في موضع الإضمار ، مصرح بقوله:{ المصلحين} بدل قوله لا يضيع أجرهم ، وذلك لأمرين ؛ أولهما – أنه للدلالة على أن ذلك شأن من شئون الله العلي الأعلى ، وثانيهما – الإظهار للإشارة إلى السبب في الجزاء وهو الإصلاح ، أي كونهم مصلحين .
وفي التعبير بقوله:{ المصلحين} إشارة إلى أن تمسيكهم للكتاب يتجاوز الإمساك إلى الدعوة إليه كما أشرنا .