وفي مقابل الفريق المشار إليه سابقاً يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم اقتراف جريمة تحريف الآيات الإِلهية وكتمانها فحسب ،بل تمسكوا بحذافيرها وطبقوها في حياتهم حرفاً بحرف ،والقرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم ،ويعترف لهم بأجر جزيل وثواب عظيم ،ويقول عنهم: ( والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ) .
وقد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من «الكتاب » وهل أنّه التوراة أو القرآن الكريم ؟بعض ذهب إلى الأوّل ،وبعض إلى الثّاني .والظاهر أنّه إشارة إلى فريق من بني إسرائيل الذين انفصلوا عن الضالين الظالمين ،وعاكسوهم في سلوكهم وموقفهم .ولا شك أن التمسك بالتوراة والإنجيل وما فيهما من بشائر بظهور نبيّ الإِسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،لا ينفصل عن الإِيمان بهذا النّبي .
إنّ في التعبير ب «يمسّكون » الذي هو بمعنى الاعتصام والتمسك بشيء نكتة ملفتة للنظر ،لأنّ التمسك بمعنى الأخذ والالتصاق بشيء لحفظه وصيانته ،وهذه هي الصورة الحسيّة للكلمة ،وأمّا الصورة المعنوية لها فهي أن يلتزم الإنسان بالعقيدة بمنتهى الجدية والحرص ،ويسعى في حفظها وحراستها .
إنّ التمسك بالكتاب الإِلهي ليس هو أن يمسك الإنسان بيده أوراقاً من القرآن أو التوراة أو الإِنجيل أو أي كتاب آخر ويشدّها عليه بقوة ،ويجتهد في حفظ غلافه وورقه من التلف ،بل التمسك الواقعي هو أن لا يسمح لنفسه بأن يرتكب أدنى مخالفة لتعاليم ذلك الكتاب ،وأن يجتهد في تحقيق وتطبيق مفاهيمه من الصميم .
/خ170