{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ ( 193 )} ، أي إن هذه الأصنام فوق أنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تنصر أحدا ، ولا ينصرون أنفسهم إذا رماها عدوها السوء لا تجيب نداء ، ولا تردد دعاء ، ولذا قال تعالى:
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} وهذا لا يخلوا من تهكم ؛ لأن الأحجار لا تعقل ولا تدرك ، فلا يتصور منها ضلال أو هداية ، إنما ذلك لصاحب العقل الذي يرشد أو يضل ، وأصل العقل ليس قائما فيهم .
وإنه سواء عليكم أقلتم أم لم تقولوا فهم لا يسمعون قولا ، ولا يردون قولا ، ولذا قال تعالى:{ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} .
أي أنه يستوي دعوتهم بألسنتكم أم صمتكم عنهم ، وعبر في الجملة الأولى بالفعل الماضي{ أدعوتموهم} ، وعبر عن المعادلة الثانية بالجملة الاسمية{ أنتم صامتون} ؛ لأن الأصل هو الصمت ، ولأن الصمت أولى ؛ لأنه هو الجدير بالأخذ في هذا المقام ، إذ القول لغو ، وصون اللسان عن اللغو أولى ، ولأن الأوثان غير جديرة لأنها أحجار ، والخطاب شأن العقول .
ساق كتاب السير والصحاح أنه روى أن معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ ابن جبل – رضي الله عنهما – وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله المدينة ، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ليعتبر قومهما بذلك ، ولم يؤثروا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح – وكان سيدا في قومه – صنم يعبده ، ويطيبه ، فكان يجيئان في الليل ، فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنعا به فيغسله ويضع عنده سيفا ، ويقول له:انتصر ، ثم يعود لمثل ما صنعوا ، ويعود لمثل صنيعه أيضا حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ودلياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل ، وقال:
تا الله لو كنت إلها مستدن
لم تك والكلب جميعا في قرن
هذه صورة من صور الوثنية .
ولقد أدرك عمرو بن الجموح الدين الحق فأسلم وحسن إسلامه واستشهد يوم أحد .