فمن اهتدى فله الثواب ، ومن ضل نزل به العقاب ، ولذا قال تعالى:{ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ( 30 )} .
يبين الله – سبحانه وتعالى – أن الناس عند عودتهم إلى فريقان:فريق هداه الله تعالى في الدنيا وفريق كان من أولياء الشياطين ، وحق عليه الضلالة .
و{ فريقا هدى} حال من ( تعودون ) في الآية ، أي يعودون فريقا هداه الله تعالى ، وفريقا حقت أي ثبتت عليه الضلالة ، والفريق الذي هداه الله قد اتخذ الطريق المستقيم سبيلا ، ولمن يتخذ طريقا عوجا ، فإنه يضل ، والفريق الذي ثبتت وتقررت عليه الضلالة ، هو الذي اتخذ الشياطين أولياء له يودهم ويحبهم ؛ ولأنه اتجه إلى المعاصي يشتار عسلها ، وجعل قلبه موطنا للشياطين يسكنه ، ويغويه ليحقق قسمه لله تعالى بقوله:{. . . . . . . لأغوينهم أجمعين ( 82 )} ( ص ) .
ولقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث عدة أن الناس يولدون على الفطرة ، والفطرة التي فطر الله الناس عليها مستقيمة دائما لا تخرج عن سنن الحق بمقتضى العهد الفطري الذي أخذه على بني آدم من ظهورهم وذريتهم ، وأشهدوهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ، وإن الشياطين هي التي تحولهم عن الفطرة إلى الضلالة ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) ( 1 ){[1092]} ، وروى مسلم في حديث قدسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ) ( 2 ){[1093]} ، فالله سبحانه خلق الخلق ، هم يدركون بفطرهم أن لهذا الكون خالقا ، وأنه وحده الذي انفرد بالخلق والتكوين ، وذلك بمقتضى الميثاق الذي أخذ عليهم بمقتضى الفطرة والغريزة ، كما أشرنا .
وإن من يسلك طريق السعادة يتجنب الاستجابة للشيطان ، ويستيقظ لفتنته ، فلا يمكنها من أن تسيطر عليه ، وتستمكن من منازعه ، وحتى مكن للشيطان من أن يصل إلى توجيه فكرهّ ، ونفسه ، وإرادته ، فقد أخذه من دون الله وليا ، وقد روى في الصحيحين ( من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة ( 1 ){[1094]} .
والآية الكريمة تقول:{ فريقا هدى} ولم يذكر الفاعل وهو الله تعالى ، تكرما من الله تعالى ، يشير إلى أن الهداية ابتداء باتجاه من الذي هداه الله تعالى ، كما أن أهل الضلالة قد حقت وثبتت عليه الضلالة بعمل ممن ضل وغوى ، وقال سبحانه في أهل الغواية:{ اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} أي أنهم فتحوا قلوبهم وسخروا عقولهم وإرادتهم للشيطان ، فكان لهم وليا من دون الله ؛ لأنهم هجروا فطرتهم ، وهجوا فطرتهم ، وهجروا أوامر الله تعالى ونواهيه ، ومعنى{ من دون الله} تعالى ، أي من غير إطاعة الله .
ولقد قال الله تعالى في الآية السابقة:{ إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} ، وفي هذه الآية يقرر الله تعالى أن أهل الضلالة اتخذوا الشياطين أولياء ، فالولاية ثبتت من الجانبين:الشياطين أرادوها للإغواء ، وأهل الضلالة فتنوا بالإغواء ، فاتخذوهم أولياء ، وإنه لاتخاذهم الشياطين أولياء كان منهم ضلال فكري ، بهذا الاتخاذ ؛ ولذا قال تعالى:{ ويحسبون أنهم مهتدون} الضمير يعود على فريق الضلالة الذين حقت عليهم و{ ويحسبون} معناها يظنون متوهمين أنهم مهتدون ، أي أنهم بسبب عملهم الإيجابي في اتخاذهم الشياطين أولياء من دون الله تعالى انقلبت أفهامهم ، وأركس إدراكهم ، فزين لهم سوء أعمالهم فحسبوه حسنا ، فظنوا بأوهامهم أنهم مهتدون وهذا شر أنواع الضلال بأن يسير المرء في طريق الباطل ، وهو يحسب أنه الحق والهداية . وإن هؤلاء في حسبانهم الغواية – محاسبون على ذلك ؛ لأن الله بين الحق فأعرضوا ، وعاندوا واستكبروا ، فلم يطيعوه عنادا واستكبارا ، حتى فسدت مداركهم ، وضلت أفهامهم ، فحسبوا الباطل حقا ، والضلالة هداية ولا حول ولا قوة إلا بالله .